انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
ثقافة وفنون

كراسناهوركاي: نوبل الأدب لكاتب الخراب والفن..

لازلو كراسناهوركاي… كاتب الخراب الجميل والفن الذي ينتصر على رعب العالم

أعلنت الأكاديمية السويدية، يوم أمس الخميس 9 أكتوبر 2025، فوز الكاتب الهنغاري “لازلو كراسناهوركاي” بجائزة نوبل للآداب، تقديرًا لـأعماله الآسرة التي تُعيد، في خضمّ رعب نهاية العالم، تأكيد قوة الفن.

بهذا التتويج، يُضاف اسم كراسناهوركاي إلى سجل أدباء الإنسانية الذين جعلوا من الأدب مرآةً للكون ومأوى للروح، وهو ثاني كاتب مجري يُكرَّم بهذه الجائزة بعد “إيمري كيرتيز” سنة 2002.

صوت من قلب العتمة

وُلد لازلو كراسناهوركاي سنة 1954 في مدينة جيولا جنوب شرق المجر، النمسا حاليا، ونشأ في زمنٍ مطبوعٍ بظلال الشيوعية وقلق التحولات الاجتماعية والسياسية في أوروبا الشرقية.

منذ بداياته في ثمانينيات القرن الماضي، فرض كراسناهوركاي أسلوبًا روائيًا متفرّدًا، يقوم على جُملٍ طويلة متدفقة، لا تتوقف إلا لتأخذ القارئ نحو أعماق أكثر ظلمة وتأملًا.

في أعماله، يتحول الخراب إلى لغة، والفوضى إلى شكل فني، والعزلة إلى سؤال فلسفي مفتوح على الوجود والمصير.

أدب يقاوم العدم

تُوصف رواياته بأنها ملحمات عن نهاية العالم، لكنها ليست نواحًا على الخراب، بل استحضارٌ لجمالٍ يختبئ حتى في الرماد.

في روايته الشهيرة «ساتانتانغو» (1985)، التي تحولت لاحقًا إلى فيلم أسطوري للمخرج بيلا تار، يرسم مشهدًا لقرية مجرية غارقة في الوحل، تنتظر “الخلاص” الذي لا يأتي، في استعارة كثيفة عن انهيار الإنسان تحت ثقل الخداع والانتظار.

أما رواية «حزن المقاومة» (1989) فتقدّم رؤية رمزية لمجتمع يقف على حافة الفوضى، حيث يتلاشى الإيمان بكل شيء عدا الخوف.

وفي «الحرب والحرب» (1999)، يذهب الكاتب إلى أقصى حدود التأمل في معنى الوجود، حين يحاول موظف بسيط إنقاذ مخطوطٍ غامض من الضياع، وكأنه ينقذ معنى الإنسان ذاته من الفناء.

بين الشرق والغرب

رغم جذوره العميقة في الأدب الهنغاري، تأثر كراسناهوركاي بالفكرين الأوروبي والشرقي معًا، فجمع بين القلق الكافكاوي والتأمل البوذي.

سافر إلى الصين واليابان، وهناك تماهى مع فكرة الصمت كقيمة جمالية، ومع رؤية الفن كوسيلة للسلام الداخلي في مواجهة العدم.

في روايته «سيوبو هناك في الأسفل» (2008)، يتأمل الجمال من خلال الفن الياباني، وكأنّه يضع الفن في مواجهة الخراب، والجمال في وجه التلاشي.

الفن كخلاص

ما شدّ الأكاديمية السويدية إلى منحه الجائزة هو هذا الإيمان العميق بقوة الفن.

في عالمٍ يزداد جنونًا، يكتب كراسناهوركاي وكأنه يقول: «ربما لا نستطيع إنقاذ العالم، لكن يمكننا إنقاذ معنى الجمال فيه».

لذلك، فهو لا يكتب عن نهاية العالم بقدر ما يكتب عن القدرة البشرية على البقاء بعد النهاية  عن الإصرار على السرد، التفكير، والرؤية وسط الركام.

جائزة تعيد الاعتبار إلى الأدب العميق

فوز لازلو كراسناهوركاي لا يمثل تكريمًا لشخصه فقط، بل انتصارًا للأدب الجادّ، لذلك النمط من الكتابة الذي يرفض السهولة والسطحية، ويصرّ على مساءلة المعنى، وكشف هشاشة الإنسان في زمن الصخب الرقمي.

إنه تتويج للكاتب الذي جعل من اللغة سيلًا متواصلاً من التفكير، ومن الفنّ ملاذًا ضدّ الخراب.

بهذا التتويج، يُعيد كراسناهوركاي للأدب العالمي صوته الوجوديّ العميق، ويؤكد أن الفنّ، مهما اشتدّ الظلام، هو آخر ما يبقى في وجه رعب نهاية العالم.

 

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا