انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
حديث بسمة

جيبولي حبيبي دابا…

عن ثقافة الاتكال، من الفرد إلى الدولة

حديث بسمة/ عزيزة حلاق

في إحدى ليالي البذخ العربي، حيث المآدب الفاخرة، وفي سهرة نُظّمت على شرف ضيف أجنبي رفيع المستوى، علت أصوات الموسيقى، تملأ الأجواء برومانسية شرقية ناعمة. كان المغني يشدو بإحساس عال و يردد بلهفة عاطفية، تماهى معه الحضور في انسجام تام.

سأل الضيف مستضيفه بدهشة عن معنى الكلمات التي يُتغنّى بها، راغبًا في فهم سر تفاعل الحضور معها. فأجابه هذا الأخير مزهوًا بأن المغني يطلب من الناس، من خلال كلماته طبعا، أن يبحثوا له عن حبيبه ويأتوا به إليه، مردّدًا: “يا ..ناس هاتوا حبيبي”، أو كما يُقال في أغنيتنا باللهجة المغربية: “جيبولي حبيبي دابا”، أي “أحضروا لي حبيبي الآن”.

علّق الضيف، مستغربًا وساخرًا: “عجيب! لماذا لا يذهب هو بنفسه ليحضر حبيبه؟ لماذا يحتاج إلى من يجلبه له؟ يبدو أنكم تعتمدون على الوسيط في كل شيء يخصكم حتى في الحب؟”

لم يكن هذا الأجنبي يدري أو ربما يدري، أن تعليقًا عابرًا كهذا قد يختزل ثقافة بأكملها، لا في الحب فقط، بل في السياسة، واتخاذ القرار، ومصير أوطان بأسرها.

فالعاشق في أغاني التراث لا يسعى بنفسه، بل يستنجد بالآخرين ليأتوا بالمحبوب. وفي قصص العشق القديمة، كان الشعراء رسل الغرام، والرقيب والحاجز الاجتماعي يفرضان الوساطة. كأننا اعتدنا أن نحب من بعيد، وأن ننتظر الآخرين ليُقرّبوا المسافات.

لكن المسألة لا تقف عند حدود الغناء. إنها عقلية متوارثة تسللت إلى حياتنا كلها:

مشاريع مؤجلة، قرارات مرهونة باستشارات خارجية، مساعدات وقروض بدل مبادرات ذاتية.

حتى في السياسة، عند أول أزمة، نرفع الراية البيضاء وننتظر الوساطة الأمريكية أو الأوروبية. تمامًا كما يصرخ العاشق: “هاتولي حبيبي!” تصرخ الدول: “هاتولنا الحل!”

إنها ثقافة “هاتولي”: عقلية الاتكال، وضعف الإرادة، وفقدان الثقة بالنفس. ثقافة تجعلنا متفرجين على مصائرنا، بينما الحل دائمًا بين أيدينا.

الحقيقة البسيطة والمرّة: لا أحد سيأتي ليصنع قرارنا، لا في الحب ولا في السياسة. من ينتظر يبقى أسيرًا، ومن يبادر يكتب تاريخه.

فلنمْحُ من قاموسنا “هاتولي”. لنذهب نحن، نحب نحن، نقرر نحن، ونبني أوطاننا بأيدينا.

فمن لا يذهب إلى حبه، لا يذهب إلى حريته.

وكما قال أبو العلاء المعري:

وما نيلُ المطالبِ بالتمنّي.. ولكن تُؤخذُ الدنيا غِلابا.

 

 

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا