
في الحاجة إلى الدفاع عن الله…
بقلم: زكية حادوش
صيف قائظ هذا، محمل بالعواصف المفاجئة التي لا تثبت سوى الصحة العقلية لمجانين كنا منهم بحثوا وتحدثوا، على عتبة الألفية الثالثة، عن التغيرات المناخية والهشاشة المناخية لبلادنا ومفهوم الحرب والهجرة المناخيتين…فاعتبرونا من المجاذيب لأن ما يعيشه المغرب منذ الصف الابتدائي هو “الجفاف”. لا شماتة، لكن أثبت لنا واقع الحال والزمن الآن أن “الجفاف” الذي يعاني منه البلد هو جفاف مزمن في الرؤية الاستراتيجية وفي عقول وأفعال رجحت نمو الأرصدة البنكية لنفر (والنفر حسب قاموس العرب جماعة من الرجال من ثلاثة إلى عشرة) على التنمية المستدامة لوطن وشعب!
في هذا الصيف، الموصوف بما سبق، لم أتفاجأ شخصيا بخروج إحداهن، حتى لا أسميها تجنبا للتشهير واحتراما للمسطرة القضائية الجارية وقرينة البراءة في حقها، لأني تعودت منذ أيام التلفزة بالأبيض والأسود على مسلسلات رمضان والصيف في هذا البلد السعيد. تعودت على جعجعة الثنائيات المصطنعة والنقاشات المغلوطة التي تثار بنقعها وصخب مشاحناتها “الإعلامية والمجتمعية”، وتصبح حديث الساعة والشغل الشاغل للرأي العام، إن وُجد.
هذا ما كان ينقصنا! لا وجود لأرض ” كان اسمها فلسطين وصار اسمها فلسطين ” محتلة ولبشر يبادون ويجوعون ويحاصرون من كل الجهات، لأن أصحاب “صابون تازة قبل غزة” مازالوا يصبنون فينا! لا وجود لغلاء أسعار، ولا لتضخم مالي، ولا لفساد ولا لانهيار منظومة القيم وللفوارق المجالية والمجتمعية ولا للمظالم! كل أمور البلاد والعباد على ما يرام، ولا يخصنا إلا “خاتم العريان”، أو الأحرى “قميص بيتي”!
ليس من المستهجن أن يرتدي أي شخص قميصا ويطبع عليه ما يريد، في بلد يلبس فيها أغلبية الناس قمصانا تحمل علامات أو عبارات لا يفقهون معناها، فالمهم هو ألا تخرج عاريا على الناس! كما ليس من الغريب أن تتعمد “بيتي” لبس ذاك القميص الحامل لتلك العبارة بالذات وتخرج به إلى العلن. إنما الغريب هو أن يتحول ذلك إلى معركة حامية الوطيس بين من يرى اعتقالها بتهمة “الإساءة إلى الذات الإلهية” خرقا لحرية التعبير التي هو حق من حقوق الإنسان، ومن يطالب بالقصاص منها لأنها بقميصها ذاك “تطاولت على الذات الإلهية” أو “حقرت الدين الإسلامي”.
المستهجن كذلك أن ينضم إلى المعمعة “وزير عدل وحقوق إنسان سابق” محسوب على “العدالة والتنمية”، لينبري للدفاع عن “الإسلام” و “الذات الإلهية”، كأن الله سبحانه محتاج إلى محام أرضي لم ألمحه مرة ولو نصف لمحة في مسيرات دعم غزة، ولا سمعت له صوتا للدفاع عن المظلومين والمقهورين من المسلمين سواء في مشارق الأرض أو مغاربها! ثم يرد عليه نقيب سابق بالقول إن السيد الوزير السابق “لبس عمامة المتطرف والمفتي ولبس ثوب التحريض والوعيد…وأشعل نار الحقد والكراهية ضد امرأة…”!
لا غضاضة أن أعترف أني مع السيد النقيب المحترم في دفاعه عن السيدة المعنية، فهو لم يأت شيئا منكرا، إذ لم يخرج عن إطار مهنته ولا عن القانون ولا عن مبادئ حقوق الإنسان. لكني أختلف معه في التوصيف، لأن “التحريض” ليس هو “التهمة اللائقة” بالسيد الوزير الأسبق، فما دبجه هذا الأخير ليس تحريضاً، بل هو “الإساءة” بعينها: الإساءة الأولى هي في حق بلد تمتد حضارته في التاريخ ومازال فيه “وزراء حقوق إنسان” يطالبون باعتقال الناس ومحاكمتهم وإنزال العقوبات بهم وفقا لقانون جنائي نُقِّح أخيرا لجعله مطابقا لعهد ما قبل حمورابي وتمت المصادقة عليه في جنح الظلام كبضاعة مهربة.
الإساءة الثانية هي لتيار إسلامي ينتمي إليه لأنه ألقى بنفسه في أتون “قميص بيتي” كأن الأمر يتعلق بقميص عثمان، أو الأدهى بقميصي يوسف عليه السلام، الأول الذي أتى به إخوته إلى أبيهم لتلفيق التهمة للذئب البريء والثاني الذي أثبت براءة يوسف ضد ادعاءات امرأة العزيز. ومن نافلة القول بأن العامل المشترك بين هذه القمصان الثلاثة هو التآمر والكيد والفتنة التي هي أشد من القتل.
أما الإساءة الثالثة والأشد في نظري، هي تزكية النفس وتنصيبها مدافعة عن “الذات الإلهية”، للخوض في أمور تتعلق بحب الظهور والتموقع السياسي أو التضليل والتمويه على القضايا الإنسانية والعامة الحقة والعادلة بنقاشات مغلوطة تستند إلى ثنائيات مصطنعة. لكني، عكس السيد الوزير الأسبق، لن أطالب بمعاقبة أحد على هذه الإساءة، فهي تهمة وهمية لا أساس لها من الصحة في قاموس المؤمن الفقير المفتقر إلى الله الغني وحده المستغني عن الكون جميعا.
الذات الإلهية ليست بحاجة لمن يدافع عنها، وبالأخص من البشر المرائين والمتهافتين والظالمين وتجار الأديان. الذات الإلهية حولنا وفينا، عمت وشملت كل شيء، الظاهر والباطن، منها جئنا وإليها الرجوع. ومن تعامى عن هذه الحقيقة، لن يرجع إليه أي قميص في الكون بصره كما أعاد قميص يوسف البصر لأبيه يعقوب، “فإنما لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”، صدق الله العظيم.