عزيزة حلاق
كنا قد اتخذنا للتو مكانا في المقهى المجاور لسينما روكسي بطنجة، ولم نكن قد بدأنا حديثنا، حتى وقف أمامي وكأنه كان يتربص بي أنا شخصيا دون غيري، قال:” قصدتك مضطرا والمقصود الله، جئت من مدينة وجدة، قاطعته اسمع لي ولكن،، لم يترك لي مجالا لأكمل… وتابع:” لا أطلب مالا ولا أكلا، ولست من من تظنين، أنا أب أحمل ثقل هم ابن يبحث عن عمل، وأتوسم فيك خيرا،، فتح ملف كان يتأبطه وسل نسخة من السير ذاتية كانت ضمن نسخ كثيرة، ومدها إلي ومضى مسرعا ..تابعته إلى حين اختفى وكأن المدينة ابتلعته.
سكت الكلام وبادلتني صديقتي التي كانت شاهدة على ما حدث، نظرة تحمل أكثر من دهشة، يا آالله ماذا أصابنا؟ حتى وصل بنا الحال إلى أن نعيش لحظة “يتسول” فيها أب فرصة عمل لابنه من المارة. رحل الرجل يجر خيبته، كان مختصرا في الكلام، طرح قضيته ومضى، وتركني في حيرة، بعدما حملني وزر همه، ولم يترك لي فرصة لأقول له ما أنا بصاحبة مركز أو قرار ولا أنا من أسر الأعيان ولا أنتمي لحزب ولست من دائرة المحظوظين ولا من ذوي سلطة أو جاه. العين بصيرة يا سيدي واليد قصيرة وليس لي والله غير قلب دامي وعين تدمع على ما آل إليه وطني.لحظتها بدت لي هذه المدينة العملاقة وكأنها تضيق وضاق معها العالم، ولم أعد أرى غير وجه هذا الأب الذي ما كان ليقدم على هذه الخطوة التي ليست من شيم ناس وجدة، لولا يأسه من الأبواب الموصدة أمام ابنه.
أحس بك سيدي، وأتألم لألمك، وأدرك أن خوفك من أن يركب ابنك موجة الهروب، أوتصطاده رصاصة طائشة، أو ينتهي به الأمر للانتحار أو الإدمان، أو الاختفاء فتداعيات الإحساس باليأس كثيرة وأحيانا غير متوقعة،،، أدرك سيدي أن كل هذا وغيره، دفعك أن تقامر بعزة نفسك، وتبحث عن فرصة لابنك بين وجوه المارة.
كيف أواسي هذا الأب اليائس بكلام بارد بئيس لا يسمن ولا يغني من جوع. هل أقول له بان خيبة ابنه يعيشها نصف شباب هذا الوطن، هل أقول له بأنني ما كنت لأتمنى أن أعيش وأرى شباب وطني يهاجرون بالجملة ويغامرون بحياتهم بعدما ضاقوا ذرعًا بدارهم. هل أحكي له قصة حياة، أكيد أنه يعرفها، هل أقول له أن محنتك هي محنة شعب بأكمله..ماذا أقول غير أننا أصبحنا بؤساء وطن ضاق ذرعا بأبنائه.
في هذا الزمن الأغبر، جميل أن يظن فيك الناس خيرا، لكن الأجمل لو كان بالإمكان فعل شيء أي شيء، لهذا الأب الذي رأيته ضائعا يائسا، يجسد تراجيديا إنسانية متحركة لجيل بأكمله، حملها معه من وجدة إلى طنجة سلمني همه وتابع رحلته. ….بحثا عن قبس أمل قد يراه في وجه شخص أخر…رحل الرجل وتركني ألعن في سري عجزي أمام هذا الوضع الذي لا يبشر بالخير.
ستجدون رفقة هذه الورقة صورة من السيرة الذاتية التي مدني بها هذا الأب، فرجاءا لا تهملوها، ومن استطاع فعل خير فله كل الأجر.
.