بعد أن كتبت عنها “حين أيقظني” الكنبة ترد على صاحبتها..

الحلقة الثانيةمن القصة (إلى سناء ولارا)

بقلم : هاديا سعيد

 

رغم الخدوش التي أصبت بها وجرح أصاب يدي اليمنى إلا أني لم آبه بالألم.. فحجم الصدمة كان أقوى من كل ما أصابني..

لا يدرك هؤلاء الذين حملوني بعد أن أخرجوني من الصندوق  أني أراهم وأني أعلم تماما أني كنت مسافرة مع صاحبتي وأني كنت سعيدة الحظ لأنها احتفظت بي ولم تتخلى عني لمجموعة الناس الذين أهدتهم  أقارب لي منها كراسي البلكونة البامبو..

أعرف أني كنت أمها وأختها وحبها الكبير والصغير كما كانت تقول، لكني لن أصدقها بعد أن تخلت عني فجأة..

الآن لن يصدقني أحد حين أحكي له ماذا حدث في اللحظات الاخيرة حين وصلنا إلى بيت صاحبتي. كان شبحين يحملاني أنا كنبتها المميزة الأثيرة والمدللة بشكل أزعجني تماما. كأنهما يلعبان. يدفعني الواحد منهما إلى باب ضيق لا يمكن أن يسع خاصرتي فكيف بظهري ويدي الضخمتين؟ يحشرانني فأعلق بين دفة الباب وحافة الحائط ويقلباني فأشعر بدوار..

يصبح قدمي الصغير في الأعلى وظهري مقلوب إلى الأسفل ثم يحشراني أكثر فأكثر ولا يعرفان إني لست بالونة ينفسانها ولست اسفنجة تعصر فأنا كنبة الساتان الفضية ابنة الأثاث الراقي سليلة عائلات “ذي وان” التي يعرفها العالم.

كنت معززة مكرمة في أرقى معارض الأثاث في دبي. حملتني صاحبتي منها بعد توقيع أوراق واتفاق مع أهلي أصحاب المتجر.

صاحبتي تعرف جيدا أني مثلها ابنة سلالات عريقة من الخشب والحشو وقماش الساتان الراقي. ولدت في بلجيكا في تلك الضاحية الغابوية من أطراف جنوبي بروكسل. كل هذا لا يعرفه العمال الذين حملوني من الإمارات إلى لندن لأصل إلى  مدخل باب ضيق لا يسع حضني  العريض الصبور أو ظهري الذي أصبح سندا لصاحبتي سنوات!..

يا الله على الألم الذي سببته لي دون أن تدري. كان ابنها يصيح لها من خارج البيت وهو يراني أواجه الدفع والركل والحشر وهي ترد : حاولوا.. حاولوا.. وأنا أزداد تعرضا للأذى. أهكذا يرد الجميل إلى أحضان الأمهات؟ ليلة كاملة أمضيتها في الصندوق الرطب أمام الشاحنة وإنا اسمع نتفا من أحاديث لا أفهمها ولا تكتمل.

كل ما عرفته في صباح اليوم التالي أني سأكون ضيفة في بيت ابن صاحبتي التي لم تعد صاحبتي!

أريد أن أذكرها بان هذا لم يكن اتفاقنا وأن لي تاريخا معها يجب أن ترعاه وتحترمه وأن كل صبري على ما كان يحدث لي في بيتها ومع ضيوفها واحتضاني فرحتها ودمعتها وصمتها وضحكتها وغضبها وزعلها ووجعها وما صنته من أسرار أقرب الناس إليها لا يمكن أن يقابل بهذا البرود في التعامل معي وأنا أتلقى صدمات وضربات محاولة إدخالي إلى بيتها الجديد!!  ..

هل أذكرها كيف كنت أهدهد بظهري القوي عنف أكتاف ضيوفها أو ركلات أقدام أطفالهم أو إزاحتها لي من مكان إلى آخر في صالونها من دون أن يخطر لها أني قد أكون مريضة أو تعبة أو عندي صداع؟..

ويبقى أن أغرب ما حدث لي في هذه الليلة الملعونة التي بقيت فيها في صندوق رطب أمام مدخل بيتها أني شعرت بتعاطف من غرباء تعرفهم صاحبتي ولا أعرفهم. هل تصدقون أن إحدى قريباتها طلبت منها أن تحتفظ بي  بأية طريقة بعد أن علمت  منها أني كنت حضن أم لها!  وأن قريبة أخرى اعتبرت انه لولا أحضان الكنبات أمثالي لما استطاع  أصحابها الصمود أمام مشاكل الحياة!! وبعد كل هذا يقال أننا جماد  لا نفكر ولا نحس كالإنسان أو الحيوان ..

2022 13فبراير

Exit mobile version