المرأة في مرآة الأمثال الشعبية… قراءة في كتاب ذ. بنفرحي
الأمثال الشعبية والمرأة… بين التمجيد والانتقاص

بقلم: عزيزة حلاق
صور: محمد بلميلود
الأمثال الشعبية المغربية: صورة المرأة بين التوثيق عند اشماعو وإعادة القراءة مع بنفرحي
تحتل الأمثال الشعبية المتعلقة بالمرأة مكانة خاصة داخل الموروث الشفهي المغربي، فهي تعكس صورة المرأة في المخيال الجمعي، وتكشف عن التناقضات التي حكمت نظرة المجتمع إليها بين التمجيد أحيانًا والانتقاص أحيانًا أخرى. من هنا جاءت رغبتي في قراءة كتاب الأستاذ السعيد بنفرحي «الأديب السلاوي محمد بن أحمد اشماعو جامعًا وشارحًا وناشرًا للأمثال» من هذه الزاوية تحديدًا، باعتباره مرجعًا يوثّق ما جمعه الأديب اشماعو من آلاف الأمثال الشعبية، ويعيد ترتيبه وفق تبويبات علمية ومنهجية.
إنه عمل يندرج في صميم الاهتمام بالذاكرة الثقافية والموروث الشعبي المغربي، ويتيح لنا فرصة الوقوف على ثراء الرصيد الشفهي، وفي الوقت ذاته مساءلة ما يحمله من دلالات اجتماعية وثقافية ما تزال حيّة في وعينا اليومي.
تعتبر الأمثال الشعبية المتعلقة بالمرأة، مرآة تعكس صورة المرأة في المخيال الجمعي المغربي. فهذه الأمثال، بما تحمله من إشادات أحيانًا وانتقاص أحيانًا أخرى، تكشف عن موقع المرأة داخل الثقافة الشعبية، وعن التناقضات التي حكمت نظرة المجتمع إليها عبر الأزمنة.
إنه عمل توثيقي يسلّط الضوء على شخصية الأديب السلاوي الذي استطاع أن يُحصي ما يقارب خمسة آلاف مثل، صنّفها وفق سياقاتها وأهدافها، وأرفقها بشروح دقيقة تقرّب القارئ من معانيها.
يرجع شغف الأديب اشماعو بالأمثال إلى بيئته الأولى، حيث نشأ في بيتٍ تتردّد فيه الأمثال بكثرة على ألسنة جدّتيه والقريبات والجارات والضيفات اللواتي كنّ يؤثثن المجالس العائلية. هذا المخزون الشعبي ظلّ حاضرًا في ذاكرته منذ الصغر، فعمل على جمعه وتدوينه ونشره في أربعة أجزاء، جُمعت لاحقًا في عمل واحد أنجزه الأستاذ بنفرحي، ضمن سلسلة المؤلفات التي كرّسها لخدمة التراث المغربي والذاكرة الثقافية الشعبية.
وكما أشار الأستاذ فنيش في التوطئة، فإن بنفرحي ظلّ وفيًا لما سمّاه بـ«الفسيفساء التراثي»، حيث انصبّ معظم إنتاجه العلمي والتحقيقي على الثقافة المغربية، وخاصة ما يتّصل بجوانبها التراثية والشعبية.
وقد بذل الأستاذ بنفرحي جهدًا توثيقيًا دؤوبًا؛ فلم يقتصر على إعادة نشر ما جمعه الراحل اشماعو، بل أعاد ترتيب تلك الأمثال وتصنيفها وفق تيمات محددة، توزّعت على محاور واسعة، مع الإشارة إلى عدد الأمثال في كل موضوع، مما أضفى على العمل قيمة علمية ومنهجية تُيسّر الإفادة منه وتفتح آفاقًا جديدة للباحثين والمهتمين.
وجاء التصنيف كالآتي:
-أمثال أخلاقية: 320
-أمثال عن الفطنة والحذاقة: 560 –
-أمثال دالة على المشاعر: 410 –
-أمثال عن الحياة: 410
-أمثال عن السلوك في المجتمع: 560
-أمثال مرتبطة بالأسرة: 670
-الطفل: 200
-الصحة: 320
-أمثال لاذعة: 800
– أمثال تتعلق بالمال: 390
– الحِرف والحرفيين: 190
-أمثال مرتبطة بالفلاحين: 170
وبعملية جمع دقيقة، نجد أن مجموع هذه الأرقام يساوي خمسة آلاف مثل بالتمام والكمال.
بهذا التبويب، يمنح بنفرحي للمثل الشعبي حياة جديدة، إذ يخرجه من إطار التوظيف العفوي إلى سياقات علمية وتربوية وفكرية، مما يسمح للقارئ بالتأمل في خلفياته الرمزية واللغوية والاجتماعية.
الكتاب إذن، ليس مجرد تجميع للأمثال، بل هو أيضًا قراءة ثقافية في الذاكرة الشعبية المغربية. وهو ما يجعل هذه التجربة تندرج ضمن مساعي حفظ التراث الشفهي، باعتباره مكوّنًا أساسيًا من مكونات الثروة اللامادية الوطنية.
وفي هذا السياق، يوضح ذ. بنفرحي، من خلال هذا العمل، أن الأديب السلاوي أحمد اشماعو حرص على استعمال المثل بالصيغة المناسبة، في الظرف المناسب والملابسات المناسبة مستندا إلى خبرته بمجتمعه. كما حرص وهو يشرح بعض الأمثال، تبسيط الكلمات الدارجة الواردة فيها وتقريبها من مقابلها في اللغة العربية الفصحى، مما يفتح باب الفهم أمام قارئ غير متمرس باللهجات المحلية. كما أن حضور بعض التعابير السلاوية تضفي على هذا العمل مسحة خاصة، حيث نجد أمثالاً تتداول في الوسط السلاوي التقليدي، وتكاد لا تُعرف خارجه، نجدها أكثر في باب الأمثال حول الحرف والسلوك المجتمعي، وهو ما يعني أن الأمثال الشعبية هي ابنة بيئتها.:
ولا بأس، في هذا المقام، من تقديم نبذة قصيرة عن هذه الشخصية السلاوية البارزة.
وُلد محمد بن أحمد اشماعو سنة 1925 بمدينة سلا، وكان من رجالاتها المرموقين في مجالي التربية والأدب. وصفه الأستاذ عباس الجراري بـ”النبيل المجتهد”، فيما نعتته الدكتورة نجاة المريني بـ”الأستاذ المربي”
كرّس حياته للتعليم والتربية، فكان أول مفتش للتعليم بمدينة سلا، ثم تولّى إدارة مدرسة المعلمين بالرباط. وعلى مدى خمسين عامًا من العطاء، ظل حاضرًا في الميدان التربوي حتى بعد إحالته على التقاعد سنة 1985، حيث أسس مدرسة خاصة تحمل اسمه، وواصل عبرها رسالته التربوية إلى أن وافته المنية سنة 2003.
أما على المستوى الأدبي، فقد ترك الأديب محمد بن أحمد اشماعو إرثًا يقارب الأربعين مؤلفًا، توزعت بين القصة والرواية والتراجم، إلى جانب كتاباته في الإسلام والأخلاق والأمثال، حيث كان شديد العناية بالأمثال الشعبية.
وهو ما اعتمد عليه الأستاذ السعيد بنفرحي في مؤلفه الجديد الضخم والمهم،عن الأديب اشماعو الذي صدر عن مؤسسة سلا للثقافة والفنون.
أمام غنى هذا العمل الذي يمتد على 361 صفحة، وجدت أن من العسير الإحاطة بكل تفاصيله، لذلك اخترت أن أضيء زاوية بعينها، وهي الأمثال المرتبطة بالمرأة، لما تحمله من دلالات عميقة على البنية الاجتماعية والثقافية.
واعتمدت في ذلك على المفاتيح الذي وضعها ذ. بنفرحي، لتيسير القراءة، وعددها 12.
لكن، ومن خلال القراءة الأولية للتبويب، لاحظت أن حضور الأمثال الخاصة بالمرأة يكاد يغيب كليًا في الأبواب المرتبطة بالمال والحِرَف والحرفيين، وكذا في المجال الفلاحي. في المقابل، يظهر حضورها متفرّقًا وضعيفًا في أبواب محدودة مثل: الأمثال ذات الصلة بالأخلاق، وبالفطنة والسلوك الاجتماعي، فيما نجدها بحضور أكبر في الأمثال اللاذعة مع الإشارة أنها (تحتل رأس القائمة من حيث عدد الامثال التي وردت في الكتاب 670 مثل)، كما نجدها في فئة الأمثال المرتبطة بالأسرة والزواج. غير أن هذا الحضور، على قلّته، يكشف عن اختلالٍ واضح في تمثلات المرأة داخل الثقافة الشعبية؛ إذ نجد أن الأمثال التي تُعلي من شأنها وتثمن أدوارها شبه نادرة، مقارنةً بتلك التي تنتقص من قيمتها وتُقزِّم مكانتها في المجتمع.
فصورة المرأة في الأمثال الشعبية تتأرجح بين تمثيل مثالي وآخر انتقاصي. ففي بعض الأمثال تُستحضر المرأة باعتبارها رمزًا للجمال والحنان والصبر، وفي أخرى يُحتفى بدورها داخل الأسرة، خصوصًا كأم وزوجة بعبارة سأعود إليها لاحقا (مولات الدار) ، حيث تُكرَّس فضائل تقليدية يُنتظر منها تجسيدها.
امثال شعبية مغربية عن الأم
اللي ما عندو ميما، يدير راسو فالدويمة.
الدويمة، غرسة الدومة، بمعنى لا يجد فراشا ولا وسادة
الا مات البو وسد الركبة والا ماتت الأم وسد العتبة
اللي ماتت مو ، يتهرس فمو.
وجوده يضايق وليست له كلمة بل حتى كلامه يستوجب كسر الفم.
الي عندو امو فالبيت واخا ياكل غير الخبز والزيت
الي عندو امو لا ترفد همو
بعد يما وبابا كل الناس كذابة
الزيزون ما تفهمو غير امو
الي خطاتو امو يحط حجرة على فمو ويمكن يحطها حتى على قلبو (هادي من عندي).
ما من بعد الام حبيب ولا بعد الجوع اطليب
مكانة الأم وقيمتها في القلب مثل قيمة الغذاء بالنسبة للجائع.
امك حبيبة واخا تكون ديبة
الخواف ما تخاف عليه امو
الي امو فالكشينة ما يموت بغبينة
منين كان با أو كانت مي ، كانت لذة اللحم في فمي
أمثال شعبية عن المرأة والزواج
شكارة العروسة يماها , وخالتها والحزارة جارتها.
-ايلا شفت جوج متعاشرين، عرف الدرك على واحد.
اللي شفتيها بسعدها، عرفها كتكمل من عندها.
لاتخالط مطلق ولا تصاحب مقلق.
تهجليت العناية، و لا زواج الذل/
إلا تزوجتي بنت الأصول ما يجبر العدو ما يقول
“الزواج بالنية والحرث بالنية”
كَيّلْ زرع بلادك واخا يكون شعير”
شوار بنت القايد كله مخايد”
“خداها بالدين وقال العروسة منحوسة”
“الزواج والموت هم ما يفوت”
شاف الضيفة وطلق المرا
كل فولة كيجيب ليها الله كيالها
وبصيغة أخرى، كل فولة خامجة يجيب لها الله فروج اعور
“حل عينيك قبل الزواج أما بعده غير غمضهم”
” المَرَة بِلا أولاد كِالخيمة بِلا أوتاد”
اللي بغا اللامة يتعاما
من أراد العشرة تطول عليه بالتغافل.
اللي غلبوه الرجال فالزنقة، تايجي العيشة فالدار.
اللي يتزوج المرا الصغيرة، يحوز الخير والدخيرة.
اللي ما عندو بنات، ما عرفو حد باش مات.
اللي فاتك خليه لبناتك.
الشابة زينة وماعرفاش العجينة
اللي قال ليك العرس ساهل يسقي ماه.
عن كيد النساء
النسا حبايل الشيطان
لا تحكر من النار شرِيرة ولا من النسا صغيرة..
الحيل للرجال والكيد للنساء
اللّي عملها في النسا ما ينسى”
“ايلا حلفوا فيك الرجال باتي ناعسة، ويلا حلفوا فيك النسا باتي كالسة”
الخير امرا، والشر امرا.
اللي بغا التريد يعملو فعشاتو، واللي بغا لعروسة يعملها من مراتو
فايما شفتي لحويدكة، عارفها فالهم غويرقة ( أعتقد تصغير الكلمات هي من خاصية بعض المدن العتيقة منها سلا ومكناس وفاس..).
اللي ما عندو بنات، ما عرفوا حد باش مات.
الا عبيتي عبي مسكينة ، ولو تجيب لها غير خبزة وسردينة.( هاد عبيتي أعتقد كلمة فاسية).
اللي ما عندها بنات، تهلا فراسها وهي بلحياة.
ما عرفوني شكون أنا، أنا بنت السي حيدة مول الفران.
لبيض ايلا لبس لخضر، الزهر بوراقو، ولحمر ايلا لبسو من قلة عقلو واحماقو
لبيض : المرأة ذات البشرة البيضاء، ولحمر: المرأة السمراء
بعض الأمثال تعكس معايير الجمال
الزين ايلا تاه وتاه
البنت الطويلة ديما زينة، ايلا عمارت، خيزرانة، ولا ضعافت قيقلانة. ( شجرة عطرية).
تنويه بصاحبة القامة الطويلة،.
على مسبت زينها سلم ليهودي.
البياض خو الزين، لا ما كان الزين براسو.
الزين الفاخر، شلاقم ومناخر.
لا خد حمر لا سوالف ملوية.
الساق معرقب، والصدر لوحة.
صدرها معلي وقدها مدلي.
شعرها مدجة دلحرير. (لفافة حرير اكسسوار للزينة)
الزين فيهم سلالة، من العمة للخالة.
الكلسة طويلة، ومعاها قصيرة.
اللي ما لبسات اللبة، غير تمشي تتخبا.
نوضي يا المزيانة فين تكلس المسرارة.
اللي كلات معاك بالخمسة، تندب معاك بعشرة
الصداقة والوفاء في الفرح والحزن.
ما تشكر ما تلوم حتى تكون معاشرة وتدوم، وحتى تمرض وتقوم
لكن الجانب الآخر للأمثال يكشف عن رؤى نمطية تكرس السلطة الذكورية وتقيّد حرية المرأة..
الغالب على كثير من هذه الأمثال هو النظرة الدونية إلى المرأة؛ إذ تُختزل صورتها في كونها كائنًا خاضعًا وتابعًا، منزوع الإرادة، لا يُعترف له برأي مستقل. كما تُلصق بها صفات سلبية ثقيلة: من التسلّط إلى كونها مصدرًا للشر والشعوذة. وفي المقابل، حين تُشيد بها بعض الأمثال، فإن ذلك يتم غالبًا من زاوية ضيقة تربط العفة والشرف بالخنوع والعذرية، في إقصاء واضح لكل أبعاد شخصيتها الأخرى وقدراتها الإنسانية والاجتماعية.
الباب بالقفل، والعاتق بالعقل
الهجالة هجالة، ولو كانت خرصة باب دارها ذهب.
ستبقى الهجالة هاجلة حتى لو كانت غنية، والدليل دقاقة الباب من ذهب
تزوجوا بالدين ويقولو لعروسة زغبية.
مولات الدار اعمارة، ولو كانت حمارة
هذي من لغرايب، المرا مكحلا والرجل غايب
للي تتخاصم مع خالتها، اش الدير مع جارتها؟
حكر المرا بمرا اخرى.
هي دعوة للتعدد بأن يأتي الرجل بضرة تضايقها.
عود وحدو ما يشعل نار، أو مرا وحدها ما تعمر دار.
المقصود بدون أطفال. العاقر
ضرستك ايلا وجعتك قلعها ، أو بنتك ايلا كبرت ودعها. ( زوجها).
البنت زجاجة بلارة، ايلا تهرست- يا لطيف على خسارة.
فقدان البكارة..
مراتو ، ايلا قالت مت، يقول: الله يهونها علي.
الزوجة المتسلطة، والمحب المفتون بزوجته، لو امرته بأن يقتل نفسه لما تردد.
شحال من وحدة تتمنى لهجل بالعجل.
لهجل الترمل عاجلا.
الله ينعل اللي كبرات بنتو أو ما عطاها ، دار كصعة أو ملاها ، أو قال كلمة وما وفاها.
ضربها راجلها، غضبت على لوستها.
اللي دارت راجلها حبيبها، يعور ليها عينها، ويعادي اللي يخاويها.
تحذير ماكر، يحذر من محبة الزوج، ومن التفاني في محبته..
اللهم دقة بالموس، ولا معاشرة مراة اللوس.
لا خير فالمرا اللي تجول، لا خير فالرجل اللي ما يجول/ تمييز واضح المبني على النوع…
خدو مني كلمة، العروسة ما تحب الحما، حتى تبياض ذيك الفحمة.
لكعاد بالسلامة ولا زواج الندامة.
ملاحظة هذا المثل جرى تكييفه وتم تكيفه وفق رؤية شباب اليوم، أصبح يتداول حاليا بصيغة أخرى ويتردد في الأغاني الشعبية/ اللهم الزهو ولا زواج القهرة…
البنت ايلا بارت على سعدها دارت.
البنت البايرة ما تصدق حتى تتعنق.
راجلك لا تقولي ليه سرك ، لا تخليه يشبع منك. حكم هههه
المرا بلا أصل بحال القدرة بلا بصل.
الدار بلا شارب ، الخير منها هارب.
خلي الهجالة وخد المطلقة.
الرجل عبد فالسوق، والمرا خدام فالكشينة.
خانها دراعها قالت سحروا لي.
الوسادة غلبات لولادة.
الزوجة غلبات الأم/ تأثير ديال حديث الوسادة .
اللي ما ولدات الرجال لحرار، تمشي تكوي بطنها بالنار
وهنا أفتح قوسًا لأتوقف عند عبارة تحمل دلالة قيمية عميقة للمرأة داخل الأسرة، وهي عبارة أعتقد أنّها تنفرد بها اللهجة المغربية عن باقي اللهجات العربية: “مولات الدار” أو “عمارة الدار”. وهي عبارة يتغنى بها، وأستحضر هنا أغنية الفنان السلاوي محمد الإدريسي الشهيرة ومن كلمات حمادي التونسي: “لالة مولات الدار وعمارة الدار بها يكمل سعدي.. شفت معها الخير والربح وراحت ولادي أيامي معها سعيدة يا سيادي”.
الأغنية هي احتفاء بالزوجة ودورها في استقرار الأسرة وسعادتها.
في هذا التعبير الشعبي “مولات الدار”، تبرز مكانة المرأة كركيزة أساسية للأسرة، فهي الزوجة المسؤولة عن إدارة المنزل ورعاية الأسرة في شموليتها. وهو مفهوم يعكس التقاليد الاجتماعية والثقافية المغربية التي ترى في المرأة قلب البيت وروحه، بما تقوم به من تنظيم لحياة الأسرة اليومية: من الطهي، وتربية الأطفال، إلى إدارة النفقات المنزلية. ولعلها من العبارات النادرة التي ترفع من شأن المرأة الزوجة والأم وربة البيت، وتمنحها مكانة مرموقة داخل الأسرة التقليدية..
وهذا ما ينسجم تمامًا مع اهتمام الأديب محمد بن أحمد اشماعو بالأمثال الشعبية، إذ كان يرى فيها خزانًا للقيم الأخلاقية والاجتماعية، ومفتاحًا لفهم الدور المحوري للمرأة في الأسرة والمجتمع. فالأمثال لا تكتفي بوصف الواقع، بل تحفظ صورًا رمزية تُعلي من شأن المرأة في محيطها، كما هو الحال في هذا التعبير المتداول “مولات الدار” الذي اختزل مكانة المرأة ودورها في عبارة قصيرة كثيفة المعنى.
الدارجة المغربية: ذاكرة الأمثال وحكمة الأجيال
بعد هذه الوقفة مع نماذج من الأمثال، سيكون من الطبيعي أن ننتقل إلى اللغة التي احتضنتها وحافظت على روحها، أي اللهجة المغربية، التي من خلالها وجدت هذه الأمثال طريقها إلى الذاكرة والوجدان. فمن خلال الأمثال الشعبية، تظهر قوة الدارجة المغربية، وهذه القوة لا تكمن فقط في صدقها وسلاستها، بل أيضًا فيما تختزله وتُخزّنه من حكم وعبر وتجارب إنسانية متراكمة، جرى توارثها عبر الأجيال. وهكذا تصبح الدارجة المغربية أكثر من مجرد وسيلة تواصل؛ إنها ذاكرة جمعية ومرآة للروح، تحمل في طياتها سحر البساطة وعمق الحكمة.”
ولعل ما يعزز هذه الرؤية ما أورده الأستاذ الباحث الصديق الحسين بنعياش في أحد اللقاءات، حين قال:
عندما كنت أعمل “محللًا معجميًا” بمعهد الدراسات والأبحاث للتعريب، حضرتُ إحدى المحاضرات الشيقة للأستاذ أحمد لخضر غزال، حيث قدّم تعريفًا للدارجة المغربية باعتبارها مزيجًا هجينًا من العربية الفصيحة ولغات أخرى كالفرنسية والإسبانية، مضيفًا أن الأمية والجهل بالعربية الفصحى ساعدا على انتشارها.
غير أن الأستاذ بنعياش يستدرك على هذا التصور، قائلاً: “اليوم، وبعد سنوات من البحث والتجربة، وجدت أن هذا الرأي لم يكن دقيقًا تمامًا، إذ اكتشفت في الدارجة المغربية قوة تعبيرية استثنائية، قادرة على تصوير المواقف والأوضاع بدقة وعمق قد تعجز العربية الفصحى أحيانًا عن بلوغهما.
ولعل الأمثال الشعبية خير شاهد على هذه القوة التعبيرية، إذ تختزل في كلمات قليلة خلاصة تجارب إنسانية عميقة، وتحوّلها إلى صور نابضة بالحكمة والدهاء والبلاغة.
وما لا يعرفه الكثيرون، أن الثقافة الشعبية كانت من الاهتمامات الأساسية لعالم الاجتماع المغربي محمد كسوس رحمه الله. إذ كان يدوّن الأمثال الشعبية، بما فيها تلك التي يعتبرها البعض خادشة للحياء العام، معتبرًا إياها حاملة لمعانٍ اجتماعية عميقة تساعد على فهم المجتمع المغربي بفهم شامل، في أبعاده وتداعياته.
خلاصة:
رغم أن بعض الأمثال الشعبية لم تعد قادرة على مواكبة التحولات الاجتماعية والفكرية التي عرفها مجتمعنا، خاصة في ما يرتبط بصورة المرأة وما راكمته من مكتسبات في مجالات متعددة، فإن المئات من هذه الأمثال ما تزال حاضرة بقوة في الذاكرة الجماعية، وتتردد على الألسنة بشكل يومي. واللافت أن حضورها ليس مجرد ترديد بريء، بل هو تعبير عن منظومة قيم مترسخة، تعكس العقلية الذكورية السائدة التي ما تزال تميل إلى إنكار التغيرات التي حققتها المرأة، وتحاول حصرها في أدوار تقليدية. من هنا تبرز مفارقة لافتة: مجتمع يزعم التقدم والانفتاح، لكنه يواصل إعادة إنتاج خطاب قديم، يجد في الموروث الشعبي ما يبرر به استمرارية النظرة التمييزية تجاه المرأة.
في النهاية، يمكن القول إن اشتغال الأستاذ السعيد بنفرحي على كتاب الأديب السلاوي محمد بن أحمد اشماعو يُعدّ عملًا يستحق التوقف عنده مطولًا، سواء من زاوية حفظ التراث أو من زاوية إعادة قراءته وتبويبه وفق رؤى حديثة. إنه إضافة نوعية إلى رصيد الأستاذ بنفرحي، الذي أثرى المكتبة المغربية بأكثر من عشرين مؤلفًا بين سنتي 1998 و2023.
إن هذا الكتاب يتيح لنا النظر إلى الأمثال الشعبية ليس بوصفها مجرد عبارات متوارثة، بل كنافذة على روح الدارجة المغربية وقيمها المتجذرة، وكَسجل حي لتجارب الإنسان وحكمته عبر الأجيال.
ويبقى السؤال الذي يمكن أن نختم به، ونتركه مفتوحًا أمام أساتذتنا الأجلاء السعيد بنفرحي ومحمد السعديين وعبد المجيد فنيش، المهتمين بالثقافة الشعبية والموروث الشفهي:
هل ما زال المجتمع المغربي يُنتج اليوم أمثالًا شعبية؟ وإذا كان الجواب نعم، فبأي أشكال من التعبير؟