سلا التي سكنتنا… لإسماعيل العلوي

بسمة نسائية/ ومع
في أمسية باذخة بعبق الأصالة والتاريخ، احتضن فضاء الخزانة العلمية الصبيحية بسلا، مساء الخميس 19 شتنبر 2025، حفل تقديم وتوقيع كتاب “سلا التي سكنتنا: ملامح من فسيفساء حضارة” لمؤلفه إسماعيل العلوي، الصادر عن مؤسسة سلا للثقافة والفنون.
أهدى العلوي كتابه إلى روح ابنه وإلى مدينة سلا، أرضًا وتاريخًا، عراقةً وتراثًا، قبل أن يأخذ القارئ في رحلة عبر أزمنة مختلفة مرّت بها الحاضرة، بدءًا من “شالة” العهد الروماني وتأسيس المدينة في القرن العاشر مع أسرة “بني العشرة”، وصولًا إلى مرحلة الاستقلال سنة 1956، ثم مطلع العقد الثالث من الألفية الثالثة، مرورًا بعصور المرابطين والموحدين والمرينيين والوطاسيين والسعديين والعهد العلوي وفترة الحماية.
وتضمن الكتاب ملحقًا مصورًا لأهم المواقع الأثرية، خاصة الأبواب التاريخية، التي خصها المؤلف بحيز مهم، ومنها الأبواب الكبرى، مبرزًا معلومات جديدة حول خلفيات أسمائها، كما توقف عند التراث “اللامادي” للمدينة: من الذكر والسماع ومواسم الأولياء والاحتفالات الدينية (خاصة موسم الشموع)، إلى خصوصيات الطبخ السلاوي.
يقع الإصدار في 84 صفحة من القطع المتوسط، ويطمح –بحسب مؤلفه– إلى إبراز دور هذه الحاضرة في تاريخ المغرب، بالاستناد إلى البحث التاريخي الصرف من جهة، وإلى الذاكرة الجماعية والروايات المتوارثة من جهة أخرى، فضلًا عن تجربة المؤلف في مجالات السياسة والثقافة والمجتمع المدني.
اللقاء، الذي عرف مداخلات لعدد من الباحثين في التاريخ، شكّل مناسبة لاستحضار الذاكرة الرمزية لسلا وتسليط الضوء على خصوصيتها التاريخية وهويتها المتفردة في ظل التحولات العمرانية والاجتماعية المتسارعة. وأكد العلوي في كلمته أن الكتاب لا يروم فقط توثيق ماضي المدينة، بل يسعى إلى استشراف مستقبلها، داعيًا إلى التفكير في حاضرها كمدينة مليونية تواجه تحديات كبرى.
ونبّه إلى أهمية البحث الأكاديمي والأركيولوجي في استكشاف الكنوز الأثرية التي تختزنها سلا، محذرًا من مخاطر الزحف العمراني على هويتها الثقافية والمعمارية.
ومن جانبه، اعتبر الباحث لطفي بوشنتوف، أن الكتاب يتميز بقيمته التوثيقية وبـ”بنائه الهندسي المحكم”، مشيدًا بقدرة المؤلف على الربط بين المراحل التاريخية والسياسية والاجتماعية التي عرفتها المدينة، مع إبراز موقعها المتميز بين الحواضر المغربية.
أما الباحث محمد السعديين، فاعتبر العمل “سيرة مدينة تسكن وجدان الكاتب، الذي كتبه بشغف ووفاء”، مؤكدًا أنه يتميز بسلاسة أسلوبه ودقة مضمونه وحسن ترتيب أحداثه التاريخية والاجتماعية وفق تسلسل كرونولوجي واضح، مع تجنب إصدار أحكام تقييمية رغم حساسية بعض الأحداث.
وعلى هامش اللقاء، وُقعت اتفاقية شراكة وتعاون بين مؤسسة سلا للثقافة والفنون والخزانة العلمية الصبيحية، وقعها رئيس المؤسسة محمد لطفي المريني ومحافظ الخزانة أحمد الصبيحي، بهدف تثمين الرصيد الوثائقي وصون المخطوطات، وتطوير آليات النشر والتوثيق المشترك، وتنظيم فعاليات علمية وفنية.
ويُذكر أن إسماعيل العلوي، المولود بسلا سنة 1940، يُعد من أبرز الأسماء في المشهد الفكري والسياسي المغربي. تقلد مسؤوليات حزبية وحكومية، وأشرف على أعمال بحثية عدة، وهو اليوم رئيس مؤسسة علي يعته. ويأتي هذا الإصدار ليترجم علاقته الخاصة بالمدينة التي شكلت دومًا مصدر إلهام وحضور في كتاباته وتأملاته.