هللو ميس “هارا” آه لو تعلمين عدد حسادك هنا..

بقلم: ميمونة الحاج داهي
من بلاد المغرب حتى بلاد”نكليز”..لم تكن الرحلة مجرد انتقال على دراجتين، لقد كانت مواجهة صامتة مع سؤال الإنسانية ذاته.. اختبارا خفيا للرحمة في زمن تزداد فيه قسوة العالم و صلابته..
ستيف وتيري لم يلتقيا كلبة ضالة فقط لقد واجها كائنا وُلد في “الرك”..في بلد يُمنع فيه الناس حتى من إطعام القطط والكلاب المشردة، -إييه أبا، توكلهم تخلص غرَامة ماشي لغْرامة- الرحمة صارت جريمة..و العطف أصبح ترفا محظورا..
من وسط الغبار وصمت القرى الصغيرة خرجت الكلبة و تبعت ستيف و تيري أياما متواصلة..لا تملك سوى عينيها المعلقتين برجاء صامت..واقع حالها يقول خذاني من هذا العدم “هالعااااار” لا تتركانني في بلد العار..
ومنذ تلك اللحظة لم يعد الطريق مجرد مغامرة سياحية، بل التزاما حيّدا بأن الحياة أيّ حياة تستحق أن تُنقذ وأن الضعف يستحق أن يُحمل عبر المسافات و من جمال إنسانية “نكليزيان” أنهما وضعا قماشا على أرجلها لحمايتها من حرارة الإسفلت و تقرحات المشي الطويل بل أطلقا عليها إسما “هارَا” بدون تشديد الراء “الكلام موجه لبني حسان”.
ستة أشهر كاملة من الجري وراء الوثائق التي تخول لهما تسفيرها إلى خارج بلادها، من الأختام التي لا ترى سوى الملفات..من السفر المستمر والانتظار الذي يشبه اختبار الروح،،، كأننا أمام عبور طقوسي في متاهة عالمية.. يُمتحن القلب قبل أن يُسمح له بالوصول إلى الضفة الأخرى. وكل يوم تأخير،، وكل ورقة إضافية،، كان اختبارا للوفاء،،للقدرة على الصمود أمام بيروقراطية لا تعرف الرحمة، “سير حتى تجي”، بينما في داخلهما كانت “هارا” تكبر أكثر من أي مأوى،، تتحول إلى مرآة لصورة الإنسان اختار أن يظل وفيا،، إلى وعد خفي بأن الصبر على الحياة ليس عبثا،،وأن لكل حياة صغيرة وزنها في ميزان الإنسانية..تنقذ كائن من أن يظل مجرد “كلبة” ليصبح “هارا”..
أخيرا عبرت الحدود و لم تعبرها كحيوان منزلي جديد، لقد أصبحت رمزا حيا لصراع دائم بين القسوة والرحمة..بين منع الحياة واحتضانها،، بين عالم يرفض حتى مد كسرة خبز لكائن جائع وعالم يفتح الأبواب ليصنع أسرة من قلبه.. صارت “هارا” أكثر من كلبة هي أسطورة صغيرة عن الصبر والوفاء عن إمكانية أن يولد الانتماء من صدفة عابرة وعن أن الحب أوسع من الدم وأقوى من أي قانون.. في عينيها اليوم، وهي تتجول بين شوارع إنجلترا،،لا تخشى الركل ولا “اللقف” بحجر..تمشي مرفوعة الهامة في عنقها رسن يشدها إلى يد ربتت عليها و أنقذتها و جعلتها آمنة مطمئنة في بلاد المشركين بعيدا عن بلاد الشَّرْكة، تختبئ الحكاية بأكملها في أن من ينقذ حياة صغيرة، مهما كانت ضعيفة، ينقذ في الوقت نفسه ما تبقى من إنسانيته وأن الرحمة حتى حين تُمنع بالقوانين قادرة أن تعبر القارات لتثبت أن الإنسان لا يزال قادرا أن يكون إنسانا حقا، وأن قلبه قادر أن يحمل ما قد يبدو للعالم كله صغيرا أو ضائعا لكنه في الحقيقة أكبر من كل الحدود..
هللو ميس “هارا” لو تعلمين عدد حسادك على “كلبنتك” ستسقطين مغشيا عليك..الكلبنة في نظرهم أمنية عل و عسى يشفق على حالهم “كاوري”..
لم يتغير شيء بعد رحيلك مازالت الأنسنة البضاعة الأرخص هنا يا “هارا الكلبة “..