قبل أربعة وعشرين عامًا، اهتز العالم على وقع مشاهد غير مسبوقة ستبقى محفورة في الذاكرة الجماعية. صباح الثلاثاء 11 شتنبر 2001، تحولت سماء نيويورك إلى مسرح رعب عالمي، بعدما ارتطمت طائرتان مدنيتان ببرجي مركز التجارة العالمي. دقائق معدودة فصلت بين الاصطدام الأول والثاني، لتتحول عاصمة المال والأعمال إلى كتلة من الدخان والرماد، وصورة مأساوية ستظل شاهدة على بداية عصر جديد.
لم يقتصر الرعب على نيويورك. ففي واشنطن، اصطدمت طائرة ثالثة بمبنى البنتاغون، قلب القوة العسكرية الأمريكية، بينما سقطت طائرة رابعة في ولاية بنسلفانيا بعد مقاومة الركاب لمحاولة اختطافها. وفي غضون ساعات قليلة، تحوّل 11 شتنبر من حادث محلي إلى حدث كوني تابعته البشرية عبر الشاشات، بما في ذلك في المغرب، حيث أوقفت القناة الثانية برامجها المعتادة وبثت نشرة خاصة، في خطوة غير مسبوقة عكست هول ما جرى.
زلزال سياسي وأمني
لم تكن أحداث 11 شتنبر مجرد هجمات دامية أودت بحياة آلاف المدنيين، بل مثلت منعطفًا حاسمًا في العلاقات الدولية والسياسات الأمنية. فقد دشّنت “الحرب على الإرهاب”، وتغيّرت خرائط التحالفات، وسقطت أنظمة بكاملها. وكان العالم العربي في صلب هذه التحولات:
غزو أفغانستان ثم العراق، وما رافقه من تفكك للدول وفوضى أمنية.
تشديد الرقابة على الجاليات العربية والإسلامية في الغرب، وصعود موجات الإسلاموفوبيا.
إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط وفق أجندة أمريكية، ما خلّف جراحًا لم تلتئم بعد.
المغرب ما بعد 11 شتنبر
بالنسبة للمغرب، شكّل الحدث بداية مرحلة جديدة من اليقظة الأمنية والتشريعات الصارمة، خاصة بعد تفجيرات الدار البيضاء سنة 2003، التي اعتُبرت صدى مباشرًا لذلك الزلزال العالمي.
تم تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي مع الولايات المتحدة وأوروبا.
أطلقت برامج لمحاربة التطرف، شملت إصلاح الحقل الديني وإعادة هيكلة الخطاب الديني.
كما تأثر الاقتصاد الوطني بانكماش السياحة وتراجع الاستثمارات في السنوات الأولى التي أعقبت الهجمات.
24 سنة من التحولات
بعد مرور أكثر من عقدين على ذلك اليوم، تغير الكثير:
الولايات المتحدة أنهت أطول حرب في تاريخها بانسحابها من أفغانستان سنة 2021، تاركةً وراءها سجالًا حول جدوى الحرب على الإرهاب.
العالم العربي لا يزال يعيش ارتدادات تلك الحقبة، من انهيار دول إلى صعود تيارات متطرفة جديدة ثم تراجعها.
الخطاب الأمني صار أكثر حضورًا، بينما تراجعت الثقة بين الشرق والغرب بسبب تراكم الأزمات.
في المغرب، أصبحت المقاربة الأمنية والدينية أكثر نضجًا، وأسهمت في تعزيز الاستقرار، لكن تحديات التطرف العابر للحدود ما زالت قائمة.
لحظة توقّف فيها الزمن
11 شتنبر لم يكن مجرد تاريخ سياسي، بل لحظة إنسانية كونية جمّدت الزمن وجعلت الملايين يلتقون أمام شاشة واحدة. في المغرب كما في باقي أنحاء العالم، ظل السؤال يتكرر كل عام: “أين كنتم لحظة وقوع ذلك الحدث؟”
ذلك السؤال البسيط يلخص كيف تحوّل 11 شتنبر من مأساة أمريكية إلى ذاكرة مشتركة للعالم بأسره، تتقاطع فيها التجارب الفردية مع التحولات الكبرى للتاريخ. وبعد 24 سنة، يبقى الدرس الأكبر أن العالم تغيّر في لحظة، لكن تداعيات تلك اللحظة ما تزال حاضرة حتى اليوم.