الأستاذ محمد حركات:
“في خضمّ القضية التي هزت الرأي العام، محليًا ودوليًا، عقب صفعة رجل سلطة في تمارة واعتقال شابة وعائلتها، بات واضحًا أن الأزمة تكشف عن فجوة عميقة في العلاقة بين المواطن والسلطة، وتشكيكًا في آليات اختيارات وتكوين المسؤولين في جميع القطاعات التي تتعامل مع العموم مباشرة..”..
انعكاسات الحادثة ونطاق تأثيرها
صفعة في وجه السلطة: من يملك حق الغضب في هذا الوطن؟
في أواخر رمضان، حين كانت الأرواح تتوق إلى السكينة، تفجرت فاجعة اجتماعية وقانونية بمدينة تمارة، بعدما دخلت مواطنة في خلاف مع قائد، انتهى باعتقالها وعائلتها كاملة، لا لشيء سوى أنها طالبت بمحضر حجز لسلعتها، التي كانت مصدر عيشها. لكن الحادث لم يتوقف عند هذا الحد، بل أخذ أبعادًا خطيرة بعدما انتشر فيديو يظهر تصاعد المواجهة، وصفعة موجهة لرجل السلطة، ردًا على ما قيل إنه اعتداء منه عليها أولًا.
حين تتحول الكرامة إلى تهمة!
اليوم، صدر في حق السيدة حكم بالسجن النافذ لمدة سنتين، بتهم تتعلق بإهانة موظف أثناء تأدية مهامه والاعتداء عليه، في حين لم تُفتح المتابعة في الطرف الآخر من النزاع، رغم الشهادات التي تحدثت عن عنف مُسبق من طرف القائد. وهنا يُطرح السؤال الأكبر: من يملك حق الغضب في هذا الوطن؟ وهل السلطة في منأى عن المساءلة حين تسيء استعمال صلاحياتها؟
لقد جاء دفاع القائد ليُبرر الحكم، بشهادة طبية حددت مدتها في 30 يوما، منحت للقائد، بناء على ما تعرض له المعني بالأمر من طرف امرأة أمام العامة ووسط مجتمع ذكوري، موضحا أنها (أي الشهادة الطبية)، “تتضمن معطيات عن حدوث اكتئاب لدى المعني بها. وبأن الصحة العقلية والنفسية أكثر أهمية من نظيرتها الجسدية.. وبالتالي لا يمكن لهذه الشهادة أن تكون موضوعا للطعن الفرعي.
تعرضه لاكتئاب بسبب ما وصفه بـ”الإهانة العلنية من طرف امرأة أمام مجتمع ذكوري”، هو تبرير يُظهر بوضوح كيف تُستعمل السياقات الاجتماعية كذريعة لتبرير ممارسات السلطة، ويعيدنا إلى معضلة خطيرة: هل يُعقل أن تتحول صفعة المرأة إلى جريمة نكراء، بينما صفعة الرجل تُغلف بمصطلحات مثل “رد الفعل” و”الضغط المهني” و”الحالة النفسية”؟
إن الجريمة تبقى جريمة، سواء ارتكبها رجل أو امرأة، مواطن بسيط أو رجل سلطة. ولا يجوز أن نكيل بمكيالين حين يتعلق الأمر بالعنف. فهل نريد فعلاً بناء دولة قانون ومؤسسات، أم مجرد إعادة إنتاج سلطة تسير وتتعامل بقاعدة ” شكون أنت”؟
في هذا السياق، يرى الأستاذ محمد حركات، أستاذ الاقتصاد السياسي والحكامة، أن ما وقع ليس سوى نتيجة طبيعية لاختلال عميق في تكوين وتدبير علاقة الموظف العمومي بالمواطن. ويقول في ورقة تحليلية مهمة:
الدعوة إلى تجويد التكوين وإعادة النظر في معايير الاختيار
“يبدو أن الحاجة ملحة اليوم، في ظل تنامي التصادم بين المواطنين والسلطة، إلى مراجعة انتقاء وتكوين كل المسؤولين، قيادة وتنفيذاً، في القطاعات التي تتعامل مع العموم. يجب العمل على تجويد تكوينهم في خدمة المواطنين، والانصات إليهم، وإشراكهم في اتخاذ القرار، باعتبار أن المواطنين هم الذين يؤدون أجور هؤلاء من خلال الضرائب.
كما ينبغي برمجة دروس ولقاءات تدريبية دائمة في علوم التواصل والاستقبال، وتقنيات التفاوض والوساطة، وعلوم النفس والاجتماع، والحرص على ‘أنسنة’ العلاقات (humanisation des contacts). فما كان النزاع المأساوي ليحدث لو توفر الحد الأدنى من المرونة والحكمة في تطبيق القانون في أواخر الشهر الفضيل.”
لقد أتاحت هذه الحادثة المجال لتساؤلات جذرية حول كيفية تطبيق القانون وأطره في ظل مجتمع يتسم بثنائية معايير واضحة؛ إذ يميل البعض إلى تبرير تصرفات بعض المسؤولين مع الإشارة إلى حالات نفسية محددة أو ظروف استثنائية، بينما تُدان ردود فعل المواطن الذي يواجه الظلم. هذا التباين لا يعكس إلا واقعًا مشوبًا بغياب الانصات الحقيقي للمطالب الشعبية والمطالبة بمحاسبة كل من يمارس السلطة بشكل جائر
إن ما حدث لم يكن مجرد مواجهة بين مواطن (ة) وممثل للسلطة، بل كان مرآة عاكسة لعلاقة مشروخة، تُدار أحيانًا بالاستعلاء، وأحيانًا أخرى بردود أفعال عنيفة. وهنا لا بد التأكيد على أننا بحاجة إلى إعادة النظر في منطق السلطة، وفي أدوارها، وفي تكوين رجالها، حتى لا تُصبح “الهيبة” مبررًا للاستبداد، ولا “الكرامة” تهمة تستوجب الاعتقال.
فكم من صفعة نحتاج لندرك أن إصلاح العلاقة، يبدأ من احترام المواطن، لا من ترويضه؟”