لطيفة الجبابدي:قلب متعب بهموم الوطن

أيقونة النضال النسائي وحقوق الإنسان

نشر موقع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قبل ساعات فقط، خبر انتخاب المناضلة الحقوقية لطيفة الجبابدي نائبة رئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية، في اجتماع عقد في مقر الاتحاد الافريقي بالعاصمة اديس أبابا.

اعتراف دولي جميل بهذه السيدة التي ارتبط اسمها بالحركة النسائية وحقوق الإنسان بالمغرب وبهيئة الانصاف والمصالحة. إذ كانت المرأة الوحيدة التي عُينت كعضوة في هيئة الإنصاف والمصالحة في المغرب، التي أُنشئت عام 2004 كجزء من جهود المصالحة الوطنية لمعالجة ملف انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت خلال سنوات الرصاص (1956-1999).

وعكس هذا التعيين مكانتها كشخصية حقوقية بارزة ورمزاً للنضال من أجل العدالة والمساواة وحقوق الإنسان.

كان للجبابدي دور بارز في هيئة الإنصاف والمصالحة، إذ كانت تؤكد أن قضية النساء لا يمكن فصلها عن قضايا العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. وجودها في الهيئة كان رمزاً للتحدي والإصرار على أن النساء يجب أن يكن جزءاً من أي عملية إصلاحية تهدف إلى بناء مستقبل أكثر عدالة ومساواة.

 الدفاع عن المساواة والعدالة

ساهمت الجبابدي من موقعها في الهيئة في توثيق الانتهاكات التي تعرضت لها النساء خلال سنوات الرصاص، سواء كضحايا أو كأسر فقدت معيلها. واهتمت بالخصوص على ما تعرضت له النساء من تعذيب واعتقال تعسفي، واختفاء قسري، وعلى الظروف الخاصة التي واجهتها النساء، بما في ذلك المعاناة الجسدية والنفسية والاجتماعية. وركزت على أهمية الاعتراف بدور النساء في الحركات النضالية والسياسية خلال تلك الحقبة. وكان مطلبها هو ضرورة تعويض النساء تعويضاً يتناسب مع معاناتهن الخاصة، وأكدت على إدماجهن في مشاريع الإصلاح والمصالحة.  كما دعت إلى ربط المصالحة الوطنية بإصلاحات هيكلية تشمل تعزيز المساواة بين الجنسين واحترام حقوق المرأة كجزء لا يتجزأ من بناء الديمقراطية.

بداية الانخراط في الفعل النضال:

انخرطت في الفعل السياسي وهي تلمذة بالثانوي. مما أسهم في تشكيل وعيها النضالي المبكر، قبل أن تصبح عضوة بارزة في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب خلال فترة السبعينيات، وهي الفترة التي شهدت حركات طلابية قوية ضد الاستبداد ووجهت بالقمع والاعتقالات. تعرضت لطيفة الجبابدي للاعتقال السياسي بسبب انخراطها في الحركات اليسارية المعارضة للنظام. وعانت خلال هذه الفترة من ظروف قاسية لكنها ظلت متمسكة بمبادئها. رافعة شعارا لا زال يلازمها إلى اليوم: وطن للجميع و المساواة والكرامة للمرأة..

تحرير المجتمع يبدأ بتحرير المجتمع:

بعد الإفراج عنها، كرست الجبابدي حياتها للنضال من أجل حقوق المرأة المغربية، معتبرة أن تحرير المجتمع يبدأ بتحرير النساء. ولعل الكثيرين لا يعرفون أنها كانت وراء عريضة مليون توقيع لتعديل مدونة الأحوال الشخصية، باسم اتحاد العمل النسائي، الإطار النسائي التقدمي الذي أسسته ورفيقات أخريات سنة 1987.  كما أسست في ذات الفترة أول جريدة نسائية بالمغرب، حملت اسم ( 8 مارس) نسبة إلى اليوم العالمي لحقوق المرأة.

جريدة 8 مارس :

شكلت جريدة 8 مارس وقتها، منصة إعلامية رائدة للدفاع عن حقوق المرأة وإيصال صوتها. خاصة وأن تأسيس الجريدة كان في سياق سياسي واجتماعي معقد، حيث كان الإعلام النسائي شبه غائب، وكانت الحاجة ماسة لمنبر يعبر عن تطلعات النساء وقضاياهن. فكان المنبر الذي كسر “الطابوهات” وفضح الانتهاكات الممارسة في حق النساء، في ظل تواطؤ وصمت المجتمع.

ورغم التحديات التي واجهتها جريدة “8 مارس”، إلا أن تأثيرها ظل راسخاً في ذاكرة الحركة النسائية في المغرب. وساهمت في تكوين وعي جديد لدى العديد من النساء حول حقوقهن وأهمية النضال لتحقيق المساواة.

النضال من داخل المؤسسات:

من عام 2007 حتى 2011، كانت جبابدي عضوًا في مجلس النواب، باسم   الفريق الاشتراكي، حيث لعبت دورًا رئيسيًا في قضايا التنمية الاجتماعية. كما شغلت منصب مفاوضة في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان. في عام 1998، عينتها الأمم المتحدة سفيرةً للمجتمع المدني لحقوق الإنسان في المغرب العربي والعالم العربي، ومُنسقة للمسيرة العالمية للنساء. نسقت أيضًا المؤتمر الإقليمي للمُنظمات غير الحكومية النسائية الإفريقية في فيينا عام 1993 ، وفي 2005، كرمتها Vital Voice ومنحتها جائزة القيادة العالمية. كما حصلت على وسام ملكي منحها إياه جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش.

التحصيل الدراسي والعلمي:

حصلت الجبابدي على شهادة في علم الاجتماع عام 1981 من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط بجامعة محمد الخامس. وفي 2000، حصلت على دبلوم في الدراسات العليا النسوية من جامعة مونتريال كندا، كما قدمت أطروحة دكتوراه في علم الاجتماع والتنمية بالجامعة ذاتها حول سياسة ادماج المرأة في التنمية. وظلت تؤمن بأن تحقيق الديمقراطية والتنمية لا يمكن أن يتحقق دون الاعتراف الكامل بمساهمة النساء في المجتمع، وبإدماج النساء في كل مجالات الحياة العامة، بدءاً من التعليم وصولاً إلى المشاركة السياسية.

خاتمة

حين تغيب لطيفة الجبابدي عن الساحة أحيانا، فبسبب قلبها الذي أتعبته هموم الوطن. لكن حين تستدعى للمشاركة في لقاء يهم قضية المرأة أو حقوق الإنسان، نجدها تعافر وتقاوم وتحضر وتشارك بحماس، فتصبح هي القلب النابض والروح التي تعطي لكل لقاء نضالي حقوقي قوة ومعنى أجمل.

 

 

Exit mobile version