انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
حديث بسمة

من يعلّق الجرس حول عنق القط؟

حديث بسمة/ عزيزة حلاق

تروي إحدى خرافات اليونان القديمة، أن جماعة من الفئران عاشت في أحد المنازل، وكان في المنزل نفسه قط كبير يفترس كل يوم واحداً منها.

اجتمعت الفئران وقررت أن تضع حداً لهذا الخطر. قال فأر عجوز: الحل بسيط، فلنعلّق جرساً حول عنق القط. سينبهنا الجرس كلما اقترب، فننجو.

أُعجب الجميع بالاقتراح، لكن حين جاء وقت التنفيذ، سأل العجوز: من منكم يضع الجرس؟ تراجع الجميع. الكبار احتجّوا بالشيخوخة، والصغار بالضعف، وفي النهاية استمر القط يلتهم فأراً كل يوم.

اليوم، وأمام ما يجري في غزة منذ أكتوبر 2023، من إبادة جماعية ممنهجة وجرائم ضد الإنسانية وفق كل المعايير الدولية، تبدو حكاية الفئران أقرب إلينا من أي وقت مضى. القط لم يعد مجرد قط، بل صار قوة عظمى اسمها أمريكا، تحمل على ظهرها وحشاً اسمه إسرائيل، تمنحها الضوء الأخضر لتمزق الجسد الفلسطيني بلا حساب ولا عقاب.

والجرس معروف وواضح: موقف عربي موحّد، ضغط اقتصادي، سحب السفراء، أو على الأقل وقف التطبيع الذي تحوّل إلى جائزة مجانية للجلاد. لكن… من يعلّق الجرس؟

الدول العربية، الكبيرة قبل الصغيرة، تجتمع وتصدر بيانات: ندين، نستنكر، نطالب. كلام محفوظ لا يسمن ولا يغني من جوع. الكبار يتحججون بالاتفاقيات والمصالح، والصغار بالضعف، وبعضهم يبرر عجزه بالحديث عن “الواقعية السياسية وموازين القوى”. وفي النهاية، تبقى غزة وحدها في مواجهة آلة القتل، تدفع الدم وتحصي شهداءها، بينما بقية العرب يتابعون المشهد وكأنه فيلم رعب تتكرر مشاهده وتتنوع أجزاؤه دون أن نستوعب إلى أين نمضي.

المفارقة أن الفئران في الحكاية امتلكت على الأقل جرأة التفكير في الحل وطرحه، أما نحن فقد أصبحنا نعيد إنتاج الخطاب نفسه ونبرره. بل إن بعض الدول لم تعد تكتفي بالصمت، بل صارت تفتح الأبواب للقط وتطعمه اللحم أيضاً، وكأنها شريك في الوليمة.

لكن هناك فارقاً لا بد من التنبيه إليه:

الشعوب العربية، رغم الجراح والانشغالات، وأمام هول ما يحدث، لا تزال تحاول أن “تعلّق الجرس” ولو رمزياً. مظاهرات في الشوارع، حملات مقاطعة اقتصادية، هبّات تضامنية عبر وسائل التواصل. الشعوب ترفع الصوت وتدق الجرس في وجه القط ولو من بعيد، لكنها لا تملك السلطة لتعلقه حول عنقه. أمّا الحكومات، فهي التي ترفض سماع الرنين، تخشى أن يزعج مصالحها، أو أن يوقظ قطاً قد يقلب الطاولة عليها.

والأخطر أن الأمر لن يتوقف عند غزة وحدها. فكما في الحكاية، سيواصل القط التهام الفئران واحداً تلو الآخر. اليوم غزة، وغداً أي أرض عربية أخرى، ما دام القط مطمئناً إلى أن لا أحد يجرؤ على تعليق الجرس حول عنقه.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا