انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
رأيهم

  السّاعة المريضة..

بقلم: سعيد الباز

لقد كان رجلا شقيا هذا المدعو ويليام ويليت حين أقدم على طرح فكرة التوقيت الصيفي والترويج لها. كان قد لاحظ أثناء تجواله كلّ صباح باكر أنّ ستائر المنازل تظلّ مغلقة حاجبة لضوء الشمس، وهنا خطرت بباله فكرة تقديم عقارب الساعة قبل بداية الصيف. فكرته الأصلية كانت مغايرة لما عليه اليوم، فهو اقترح تقديم عشرين دقيقة أربع مرّات خلال شهر أبريل وتأخيرها بنفس المعدّل خلال شهر سبتمبر.

كان ويليام و يليت مستميتا في الدفاع عن فكرته حتّى سمّي بالرجل العنيد، فألّف كتيّبا يحمل عنوان “إهدار ضوء النهار” يشرح فيها منافع التوقيت الصيفي، حتى نجح أخيرا في إثارة الرأي العام وطرحها سنة 1909 على مجلس العموم البريطاني كمشروع قانون، لكن لحسن الحظ تمّ رفضه. لكنّ الفكرة اللعينة ظلّت حيّة حتّى واتتها الفرصة خلال الحرب العالمية الأولى، فكانت ألمانيا السبّاقة إلى تطبيقها، وتبعتها بريطانيا والكثير من الدوّل الأوروبية.

لقد كانت الحجّة التي استند إليها أنصار هذا التوقيت هي توفير الطاقة بزيادة ساعة عن التوقيت العادي، ما يستدعي الاستيقاظ باكرا بساعة عن الموعد المعتاد. في الجهة المقابلة دأب الرافضون للتوقيت الصيفي على الإلحاح بأن كلّ تغيير مفاجئ للعادات وأنماط العيش في السلوك اليومي ستكون له بالضرورة عواقب وخيمة على صحّة المواطنين العاملين منهم على وجه الخصوص، وتقتضي منهم أكثر من أسبوع للتأقلم مع هذا الوضع الجديد. الآن، بدأ الانتقاد الشديد للتوقيت الصيفي يتقوّى سنة بعد أخرى، والاتّحاد الأوروبي قرّر التخلّي عنه بعد الشكاوى التي تعالت والدراسات العلمية والطبية التي ما فتأت تؤكّد على مخاطر اضطرابات النوم على الصحّة العامّة.

في المغرب يتحجّج المدافعون عن التوقيت الصيفي بكونه ضروريّ للاقتصاد الوطني خاصة في جانب التعاملات المالية والمصرفية المرتبطة أساسا بأوروبا. لكنّ أوروبا في كلّ الأحوال ليست هي العالم، فيكفي إلقاء نظرة على خريطة الدول المعتمدة للتوقيت الصيفي والتي تخلّت عنه أو لم تعتمده على الإطلاق، ليظهر لنا بأنّها حجّة واهية، و فوق هذا و ذاك الفرق في التوقيت بين المغرب وأوروبا ليس بذلك الاتساع الذي يستدعي منّا في كلّ مرّة أن نضبط عقارب ساعاتنا على الساعة الأوروبية.

إنّ فكرة التوقيت الصيفي وإن خطرت ببال الكثيرين قبل ويليام ويليت، فبفضل عناده واستماتته قيّض لها أن تكون باسمه، وأن تكون فكرة بريطانية خالصة. لكن في نفس الوقت تحيلنا على الكثير من الأفكار المبتدعة البريطانية التي سادت إلى حين ثمّ بادت أو مازالت متشبثة بها. فالسياقة إلى اليوم في بريطانيا وبعض مستعمراتها تتمّ من جهة اليسار دون العالم بأسره، امتثالا لقانون قديم يعود إلى القرن الثامن عشر يفرض على سائقي العربات الالتزام بجهة اليسار، وفي فرنسا أيضا كانت الطريق موزعة توزيعا طبقيا الجهة اليسرى للنبلاء، والجهة اليسرى للفلاحين و باقي الطبقات، بمجيء الثورة الفرنسية ألغت هذا التمييز وألزمت الجميع بالسير يمينا، وقلدتها كلّ أوروبا والعالم بعد ذلك. إضافة إلى ذلك كان لنابليون بونبارت الفضل في سنّ النظام المتري في قياس الأوزان والمساحة والتوقيت العالمي… وتعميمه على فرنسا برمّتها، واعتماد جلّ أقطار دول العالم لهذا النظام. لكنّ الحساسية التاريخية بين فرنسا وبريطانيا وتنافسهما الاستعماري المحموم جعل بريطانيا أكثر تمسّكا بنظامها المسمّى الإنجليزي الإمبراطوري في استعمال قياس المايل و الياردة و البوصة أو الرطل في الأوزان… و غرينيتش في التوقيت العالمي لا تلتزم به سوى القليل من بلدان العالم خاصّة مستعمراتها السابقة أو الدول التابعة للتّاج البريطاني والمنتمية لمنظمة الكومنولث.

ألا يمكن لفكرة التوقيت الصيفي إلّا أن تكون فكرة بريطانية عنيدة امتدّت لقرن ثم هي آيلة إلى الزوال، ألم تكن بريطانيا نفسها امبراطورية لا تغيب عنها الشمس، وهي بالكاد تشرق الآن على عاصمة الضباب لندن.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا