حديث بسمة/ عزيزة حلاق
بودكاست “كلام عابر”… عبور ساخر إلى عمق الأزمة
حين تكون السخرية وجهًا آخر للصدق
في زمنٍ تعجّ فيه الفضاءات الرقمية بالكلام المُعاد والمُستهلك، يُطلّ علينا الكاتب عبد العزيز العبدي بصوته الهادئ والمشاكس، عبر بودكاسته “كلام عابر”، ليقدّم محتوى متميّزًا بعمقه وصدقه وأناقة جرأته؛ محتوى يُحرّك المتلقي ويدفعه إلى التفكير، والتفاعل، وطرح الأسئلة.
ورغم عنوانه الذي قد يوحي بمرور سريع، فإن “كلام عابر” يُجبر المتلقي على التوقّف.
بودكاست يُخاطب المغربي بلغته، بلغة عربية بسيطة ومفهومة، يطرح قضايا ثقافية، فنية، مجتمعية وسياسية شائكة بأسلوب ساخر وذكي، وبنبرة مسؤولة لا تُفرّط لا في العمق ولا في الاحترام.
خطاب عفوي، لكنه موزون. مباشر، لكنه واعٍ. جريء دون ابتذال، ساخر دون تهريج.
حلقة اليوم (30 يوليو 2025) نموذجٌ على ذلك:
تُسلّط الضوء على واقع الفساد الانتخابي، من خلال شهادة البرلماني المعتقل رشيد الفايق من داخل سجن بوركايز، والتي كشف فيها تفاصيل صادمة عن شراء ثلاثة مقاعد برلمانية مقابل 8 ملايين درهم، موزّعة كالتالي: أربعة ملايين للمقعد الأول، واثنان لكل من المقعدين الثاني والثالث.
في شهادته، اتهم الفايق أطرافًا سياسية وازنة بابتزازه والضغط عليه لتمويل حملة انتخابية مشبوهة.
ما يقوله الفايق ليس مجرّد ادعاء شخص غاضب، بل نافذة تُطلّ على واقع مُظلم تعيشه ديمقراطيتنا الشكلية.
وما يقدّمه العبدي هنا، ليس مجرّد تعليق على فضيحة انتخابية، بل محاولة للفهم، وطرح أسئلة جوهرية من قبيل:
-كيف تحوّل البرلمان إلى سلعة؟
-من يدفع؟ ومن يستفيد؟
-ما الذي تبقّى من ثقة الناس في الانتخابات؟
– كيف تُشترى المقاعد البرلمانية في الكواليس؟
– ما دور المال في التحكّم في مصير الناخبين والمرشحين؟
– من هم الوسطاء الذين يحركون الخيوط من وراء الستار؟
– هل البرلمان يمثّل فعلاً الإرادة الشعبية، أم إرادة المال والنفوذ؟
– لماذا بات العزوف السياسي موقفًا عامًا لدى الشباب؟
– أين هي الدولة من كل هذا؟ هل تغضّ الطرف؟ أم تُشارك في اللعبة؟
ما يميّز عبد العزيز العبدي في “كلام عابر” ليس فقط قدرته على التفاعل الذكي مع الأحداث الجارية، بل أيضًا مهارته في التعليق عليها بحسّ حيّ وغير متكلّف.
لكن الأجمل، هو أنه لا يكتفي بوصف ما هو كائن، بل يُثير الإشكاليات العميقة، ويقارن بين الواقع وما يُفترض أن يكون، إن كنّا نطمح فعلًا إلى تغيير جاد وتنقية المشهد السياسي من شوائب العبث والفساد.
لا يُجمّل، بل يُعرّي الحقائق باحترام وصدق. بأسلوب ساخر دون خفة، وناقد دون عدوانية.
لذلك، ليس غريبًا أن يجد “كلام عابر” طريقه إلى جمهورٍ يبحث عن محتوى صادق، مختلف، وضروري في زمن يُغرقنا في التكرار والسطحية. ولمن يرغب في الإنصات لما هو أبعد من الكلام العابر، إليكم رابط البودكاست:
https://www.youtube.com/watch?v=8o46Zo7-qpI
