انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
حديث بسمة

طوطو الصلكوط: من الإهانة إلى الأسطورة..

حديث بسمة: عزيزة حلاق

ما تابعته عن حفل مغني الراب المغربي طوطو، في ختام فعاليات مهرجان موازين، لم يكن مجرد عرض موسيقي، بل ظاهرة اجتماعية وثقافية لافتة.

300 ألف متفرج،رقم قياسي لم يشهده المهرجان منذ انطلاقه قبل أكثر من عشرين عامًا، امتلأت بهم ساحة السويسي، التي كانت، حتى وقت قريب، مخصصة فقط للنجوم الغربيين.

الطرق أُغلقت في وجه السيارات، وفُتحت أمام أمواج بشرية هائلة، أغلبها من الشباب والمراهقين، جاءوا من كل أنحاء المملكة، خاصة من الدار البيضاء، ليلبوا نداء نجمهم، ويؤكدوا أن طوطو لم يعد مجرد اسم في ساحة الراب، بل بات أيقونة مغربية، عربية، وعالمية… “ملك المسرح”، كما لقّبته الصحافة في اليوم التالي.

لكن، وكما هي العادة مع النجوم الذين يكسرون القوالب، لم يمر الحدث دون انتقادات، خاصة بسبب قميصه الذي طُبعت عليه كلمة “Salkot” أو “صلكوط”… كلمة مستفزة في ظاهرها، مشحونة في دلالتها، دفعتني، شخصيًا، إلى البحث في خلفياتها.

تذكرت حينها أنني كنت من أوائل من انتقدوه قبل سنوات، وتحديدًا في مقال كتبته سنة 2022 تحت عنوان: “زمن طوطو وجيل الضباع”، بعد ظهوره في حفل بمظهر صادم، يحمل لفة حشيش وقنينة ويسكي، ويتحدث بكلام سوقي مستفز.

لكنني، وأنا أتابع حلقة مطوّلة له في برنامج “ABtalks” مع الإعلامي الإماراتي أنس بوخش، صادفته اليوم، وجدتني أنصت دون ملل، لما يقارب الساعتين، أكتشف شخصية مغايرة تمامًا لما رُسم في ذهني: شاب عفوي، صادق، نية ، ذكي، يتقن ثلاث لغات: العربية (الدارجة)، الفرنسية، والإنجليزية.

متمكن من موسيقاه وفنه، حضوره لافت، ومحتوى حديثه عميق، يعكس نضجًا وتفكيرًا لا يتوقعه الكثيرون من فنان “راب”.

وحين سأله أنس عن معنى كلمة “Salkot”، تردد طوطو في الترجمة، واستأذن ليهاتف والده مباشرة، في لحظة صادقة ومؤثرة. جاء صوت الأب حاسمًا وموجعًا: “صلكوط” كلمة استخدمها المستعمر الفرنسي في وجه العمال المغاربة، وتعني “قذر” أو “عديم التربية”.

كلمة مؤلمة، لها حمولة استعمارية وعنصرية ثقيلة.

قال طوطو:

“أحسست بالإهانة، لكنها كانت نقطة تحوّل. لم أهرب منها، بل جعلت منها علامة مميزة. ماركة مسجّلة. صلكوط؟ نعم، وسأجعلها تلمع. وقد أطلقتها عنوانا لألبومه الجديد.”

كان واضحًا، من خلال حواره مع أنس بوخش، أن طوطو لا يزال يحمل جرحًا ناتجًا عن موجة الانتقادات والهجوم التي طالته في المغرب في حفل سابق.

تحدث بغضب هادئ، لكنه مؤلم، عن شعوره بالخذلان، وكيف أن البعض في بلده لم يحتفِ به كفنان عالمي، بل اختزلوه في صور مثيرة للجدل، وحكموا عليه بالمنع من الظهور في المهرجانات. .

هو الذي تُفتح له أبواب كبرى المنصات الموسيقية العالمية، وتُعقد له لقاءات مع أهم صناع المحتوى والثقافة، كان أمله بسيطًا: أن يلتقي بجمهوره في بلده، أن يسمع التصفيق لا الشتائم، والحب لا التجريح.

ويبدو أن هذا اللقاء تحقق أخيرًا في موازين.

وربما كان القرار بظهوره على منصة السويسي، أمام الجمهور المغربي، نتيجة لذلك الحوار، أو امتدادًا له.

لحظة تصالح علنية، على منصة شاهدة، بين فنان وجمهوره، بين شاب حمل حلمه وجراحه، وصعد بهما ليقول:

أنا الصلكوط… لكني لست عارًا، بل عنوانًا لمرحلة ولشباب عليكم أن تفهموه.”

ذلك القميص لم يكن إذًا مجرد استفزاز، بل فعل مقاومة فنية، يختزل قصة طويلة من الألم والتحول والذكاء، في تحويل الضعف إلى قوة، والنعت إلى شعار.

في اللقاء، تحدث طوطو عن حياته الشخصية، عن زوجته التي غنّى لها أغنية “BLUE LOVE”، عن علاقته بابنه، عن متعة اكتشاف الأبوة، عن طفولته في الدار البيضاء، عن فقدان والدته بعد صراع مع السرطان، عن لحظات الانكسار والانبعاث، عن تعاطيه المخدرات، ودخوله في مرحلة التعافي بعد زواجه وولادة ابنه، عن معنى النجاح، والخسارة، والحياة.

وحين سأله أنس بوخش عن الشيء الذي يؤلمه أكثر من أي شيء، صمت قليلاً، ثم أجاب بنبرة حزينة، و بدموع لم يخفيها:

“أريد فقط بضع دقائق إلى جانب أمي… لا لأكلمها، فقط أن أضع رأسي على ركبتيها… وأن تحضن هي حفيدها، ابني.”

ولتكريمها ولحبها الذي لا يزول، أضاف طوطو اسمها العائلي إلى اسم ابنه، ليصبح اسمه ثلاثيًا: طه فحص رجب.

قالها بفخر وصدق:

“هكذا، تظل تحضنه باسمه، وتظل معنا.”

في بداية الحوار، سأله أنس بوخش،من أنت في كلمة؟ ، قال بفخر:

“أنا مغربي.”

وحين طُلب منه أن يختم اللقاء بكلمة واحدة، كررها بنفس الثقة والاعتزاز:

“أنا مغربي.”

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا