“صالون الربوة” وجلسة قراءة في رواية مريم العلوي ” الحقيقة تخرج من فم الجواد”

عزيزة حلاق

 

في اللقاء الرابع والخمسين للصالون الأدبي الذي تعقده نهاية كل شهر مؤسسة الربوة للثقافة والفكر، جرى السبت المنصرم، بمنزل “سيدة الربوة” خديجة شاكر، استئناف أنشطة هذا المجمع الثقافي والفكري والإبداعي، بقراءة في رواية الكاتبة المغربية مريم العلوي ” الحقيقة تخرج من فم الجواد”، وهو اللقاء الذي غابت عنه الكاتبة وحضرته بطلتها “جميعة” تجر خلفها مسار امرأة احترفت الدعارة قبل أن تتحول إلى ممثلة تسلط عليها الأضواء في مهرجانات سينمائية عالمية.

بعد تقديم توطئة للرواية التي صدرت باللغة الفرنسية عن دار “غاليمار” ورشحت لجائزة “الغونكور” سنة 2018، انصب النقاش حول يوميات البطلة “جميعة”، التي تشبه في مسارها المثير مغربيات كثيرات. ونقلتنا الكاتبة بأسلوب سلس وشيق، إلى دروب الدار البيضاء وعوالم هذه المرأة، من النشأة في بيئة محافظة بمدينة برشيد إلى انتقالها واستقرارها بمدينة الدار البيضاء فضاء التناقضات الكبرى والإيقاعات المختلة.

شخصية “جميعة” وموضوع الدعارة والواقع الحارق والسقوط في مستنقع الانحراف الاجتماعي، وأزمة القيم وأسئلة أخرى كانت محور النقاش الذي دار بين سيدات الربوة، بين من تعاطف معها وبين  من رأى أن كان عليها اختيار طريق آخر، غير الذي رسمه لها زوجها الذي كان أول من دفع بها إلى عالم الرذيلة والاتجار بجسدها.

تحكي الكاتبة على لسان “جميعة” عن يومياتها، ومهنتها كعاملة جنس تعيش مع ابنتها الوحيدة، في إحدى أحياء الدار البيضاء الشعبية، فتقدم لنا حكيا آسرا بنوع من السخرية لواقع صادم  ومؤلم أحيانا كثيرة.
تبدأ جميعة  بحكي قصتها، هي التي عاشت في مدينتها برشيد وتزوجت رغما عن رغبة والدتها برجل أحبته وحلت رفقته بمدينة الدار البيضاء، بحثا عن مستقبل أفضل. لكن لم تدم أيام الحب والتفاهم طويلا، لتستفيق من هذا الحلم الجميل على واقع مر، خاصة بعد أن كشف لها الزوج عن وجه آخر، ووصلت به الوقاحة إلى حد تقديمها لأحد أصدقائه ليعتدي عليها جنسيا. فكانت تلك هي بداية  السقوط في الهاوية.

سافر الزوج إلى اسبانيا، وهجرها وصغيرتها وتركها تواجه قساوة الحياة وحدها. فلم يكن لها من خيار غير طريق الدعارة.

هكذا بدأ الحكي، من وسط الشقة التي اكترتها مع نساء أخريات يعشن من عرق الجنس ويتقاسمن المصير نفسه.  تحكي جميعة عن زبائنها وعن “شعيبة” الشخص الغامض والعنيف الذي أحبته، وعن صديقاتها وتركز أكثر على  “حليمة” التي كان لها طقس خاص بها، تقرأ القرآن بعد كل ممارسة جنسية.  حين ينتهي الزبون منها تتفقد بعض الآيات في انتظار الزبون الموالي.

وتحكي عن والدتها الشخصية المتسلطة التي تتظاهر بأنها لا تعرف أي شيء عن عمل ابنتها لكنها ترحب بالمال الذي تقدمه لها هذه الأخيرة.

يوميات جميعة كانت متشابهة، ولم يغيرها، غير لقاء مفاجئ، بشابة مغربية مقيمة في هولندا، اسمها “الشادلية” والملقبة “بفم الجواد” جاءت تبحث عن بطلة لأول فيلم لها عن مدينة الدار البيضاء وعن الحي الشعبي الذي تسكنه جميعة. هذا التحول في مسار هذه المرأة وانتقالها من العالم القاسي الذي تعيش فيه إلى عالم الشهرة والأضواء، يحيلنا بشكل أو بآخر إلى فيلم نبيل عيوش المثير للجدل “الزين اللي فيك” وبطلته لبنى أبيدار.

نقاش سيدات الربوة، سجل تباين بين من وجد في رواية مريم العلوي، عملا روائيا جيدا، وبين من اعتبرها تجربة موفقة  في الكتابة، لكنها لا ترقى للإبداع الأدبي واللغوي، وأدرجه ضمن مدرسة الطاهر بنجلون أو ما يسمى ب”الأدب الفنتازي”، المدرسة التي تعري الواقع الاجتماعي المغربي بأسلوب يخلق الدهشة لدى المتلقي الغربي.

ولعل ما يميز رواية “الحقيقة تخرج من فم الجواد”، أنها كتبت بأسلوب جريء وبحس سخرية عال و بلغة جديدة، لغة فرنسية أقرب إلى العامية  المغربية، أو ما سماها البعض ب”فرنسة الدارجة أو مغربة الفرنسية”، بحيث حملت الكثير من التعبيرات الشعبية الساخرة،  وهذه في رأي البعض هي نقطة قوة الكاتبة،  التي تمكنت بها من إثارة إعجاب لجنة تحكيم “الغونكور” هذه الجائزة المرموقة التي تكافئ الإنتاجات الأدبية في العالم الفرانكوفوني.

حين سئلت مريم العلوي عن الرسالة التي أرادت بعثها عبر روايتها وعبر شخوصها، قالت:” لم يكن هذا هو هاجسي، فبالرغم من موضوعها الحارق، الذي تم تناوله مرارا،  فأنا لم أسعى إلى بعث أي رسالة من خلال الوقائع والشخصيات، بل كتبتها أساسا لكي يسافر القراء والقارئات في دروب البيضاء، ويمضوا مع الرواية أوقاتا طيبة… ويبتعدوا ولو قليلا عن معيشهم اليومي”.

Exit mobile version