من اسطنبول إلى تطوان

بقلم صباح بنداوود

 

عندما كنت أجيب بالنفي عن سؤال هل زرت إسطنبول…يستغرب من طرحوا السؤال…لأنه في السنوات الأخيرة أصبحت هذه المدينة التي تجر وراءها تاريخا حافلا اجتمعت فيه وحوله ثلاثية البحر والحروب والحريم، مقصدا ضروريا للسياحة ومآرب أخرى…صادفت خلال زيارتي لها حملة الانتخابات البلدية حيث إسطنبول الحاضرة الكبرى لتركيا الهدف الرئيسي، فمن يفوز بتسييرها كأنه يقود تركيا كاملة…لن أدعي المعرفة الكاملة بهذا البلد لكن بعض مما بقي من دروس الأستاذ كريم، حول تاريخ الدولة العثمانية حضرت …وجدت الحملة الانتخابية في إسطنبول وقد تكون كذلك في عموم تركيا قد غزتها تقنيات التواصل المتداولة غياب تام للملصقات على الحيطان، حيث ظلت نظيفة لم تمتد إليها يد تحمل سطلا وصورا وعلامات لتضع مربعات كبيرة وتواريخ وعناوين…صادفت أشخاصا يقتعدون ركنا يضعون شاشة بها شريط مسجل متوجها من خلاله المرشح إلى مريديه “ماكاين لامرقة لابرقوق…”،ملصقات تحمل صور المرشحين في كل مناحي المدينة التي تتأرجح بين تاريخين آسيوي وأوربي، ويبدو أن الأول كان له دور كبير في ضياع اسطنبول من يد إردوغان ومرشحه وذهابها إلى مرشح ائتلاف المعارضة.

بالمدينة بنية تحتية خارقة…طرق وقناطر والبحر علاماتها الرئيسية.. أما الزمن فيها فهو مضبوط بالدقيقة والثانية…ويبدو لي أنها مدينة تسكنها كل الأجناس..تسمع كل اللغات السائدة والحية و الميتة…ويقطنها السائحون والتجار والباحثون عن الضفة الأخرى…أما السياحة فتلك حكاية أخرى… تبدأ بعصا النبي موسى وعمامة النبي قاهر النساء بجماله يوسف و قصور تحتوي على شيئين إثنين وأساسيين قاعات الاجتماعات وغرف نوم الحريم التي فشلت في تعداد عددها وتنتهي عند عربات يبيع أصحابها الذرة ” الكبال ” بثمن موحد في كل أرجاء المدينة…ونجح القائمون على السياحة في هذه المدينة في جعل المطبخ التركي بكل أصنافه حاضرا ومتوفرا.

كل فرق المدينة تتوفر على ملاعبها الخاصة ملعب فريق بيسكتاش يوجد على بعد خطوات من قصر “ضلماباشا” والاثنان يطلان على البحر.

تغادر المدينة وظل البحر والحروب والحريم يسكنك ويدعوك للعودة مرة أخرى.

حكاية مهرجان تطوان المتوسطي…معروفة وهي من القصص الناجحة التي لا تمل من حكيها..منذ البداية اعتبره القائمون عليه لحظة نضالية سينمائية…نفس الطموح والرغبة والهوس بالسينما لازال ينتاب أصحابه إلى اليوم وقبل نهاية المهرجان، بدأ الهمس حول الدورة القادمة…مهرجان اكتسب قوته بفضل برمجة سينمائية محددة ومشروطة بنفس سينمائي حيث الإنسان حاضر بقوة…

لعبة المتوسط كانت اختيارا ذكيا.. تجاوز جغرافية المكان ليضع لتطوان عنوانها السينمائي…حيث جذبت إليها يوسف شاهين وتجربته السينمائية الحافلة وأسماء حفرت بأعمالها السينما العالمية متجاوزة جغرافية المتوسط…ابينيدا واسبانيول قاومتا الهدم والقتل المبرمج وظلتا مكانا وفضاءا حقيقيا للمهرجان…

أما الممثلة التي لم تكلف نفسها بكتابة رسالة اعتذار وغابت عن حفل تكريمها والتي لن تصل إلى نجومية يسرا وأعمالها السينمائية وتواضعها الكبير ولا إلى صاحبة النظارة السوداء والمومياء نادية لطفي..وليلى علوي وأخريات فقد أضاعت فرصة تخصها وتخص جيلها.

تطوان المتوسط قابعة في مكانها وتأتي إليها السينما من كل فج عميق..

Exit mobile version