عزيزة حلاق
شكل موضوع التحرش الجنسي في السينما، أحد أهم المواضيع التي تناولتها أفلام الدورة الـ12 للمهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، وكان الفيلم الأفغاني” ألف فتاة تشبهي”، الذي حاز على جائزة الفيلم الوثائقي، من الأفلام التي تطرقت إلى هذه الظاهرة. ويحكي قصة فتاة تبلغ من العمر 23 سنة، تعارض إرادة عائلتها وتقاليد بلدها بحثا عن الإنصاف بعد سنوات من الاعتداء الجنسي الممارس عليها من قبل والدها. ويسلط الفيلم الضوء في المقابل،على تخلف النظام القانوني الأفغاني في مجال حماية النساء.
وفي سياق تعميقِ النقاش حول قضية المرأة باعتبارها محوراً لهذا المهرجان و تفاعل السينما مع حقوق المرأة، وما تطرحه من قضايا نسائية مثل المُناصفة والمساواة والتحرّش بمختلف أنواعه، نظمت ندوة علمية عرفت حضورا مكثفا، بعنوان: “المرأة في السينما والتحرش الجنسي”. تناولت الإشكالات القانونية والاجتماعية والمهنية التي تطرحها هذه الظاهرة التي تفجرت مع حركة “مي تو”، الانتفاضة النسائية التي قادتها نجمات سينمائيات عالميات، في وجه هارفي وينستن، حين أعلن بأنهن كن ضحايا التحرش الجنسي والاغتصاب من قبل هذا المنتج السينمائي الشهير على مدار 30 سنة الماضية.
وفي الوقت التي قدمت فيه ممثلة وزارة الأسرة والمساواة، حنان الناظر، عرضا مستفيضا عن منجزات الوزارة فيما يخص ملف المرأة، وركزت على قانون العنف ضد النساء والمقتضيات الزجرية الجديدة التي أتى بها لتجريم فعل التحرش، باعتباره أحد مظاهر العنف الممارس ضد النساء، على اعتبار أنه يمس بكرامتن وحقوقهن وقدرتهن على المساهمة الإيجابية في التنمية. تناولت المحامية والحقوقية السعدية وضاح، الإشكال الأساسي المطروح اليوم بالنسبة لهذا القانون، والخاص بوسائل الإثبات. وقالت بهذا الخصوص:” بعد صدور هذا القانون، لم تعد النساء ضحية فعل التحرش بل أصبحت ضحية مساطر إثبات هذا الفعل”، وهنا تبدأ القضية تضيف ذ. وضاح. فالمرأة في المجتمعات المتقدمة حين تأتي وتشتكي فهي مصدقة من قبل القضاء، لكن عندنا عليها إثباث فعل التحرش الذي مورس عليها. وهذا هو التحدي والتمرين الذي ستواجهه السلطة القضائية في تعاملها مع قضايا التحرش والاغتصاب وكيفية تطبيق القانون. وأكدت السيدة وضاح أن إثبات جريمة التحرش الجنسي يعد إشكالية هامة، على اعتبار أن جرائم التحرش الجنسي لها طابع خاص، تستوجب أن يواكبها القانون باتخاذ إجراءات دقيقة تراعي خصوصية هذه الجريمة، كما هو معمول به في عدد من الدول.
أميمة عاشور رئيسة جمعية جسور، تطرقت في مداخلتها إلى الأوراش التي تشتغل عليها جمعيتها منذ إحداثها سنة 1998، وقالت إن الهدف الأول لجمعية جسور والذي اتخذته كشعار لها هو الترافع من أجل الدفاع عن حقوق النساء.
وتحدثت بكثير من التفصيل عن المبادرات والمسابقات التي تطرحها لفائدة الشباب لحثهم على التفكير بآليات متجددة في موضوع حقوق النساء، وذلك في إطار حملات تحسيسية وتوعوية بحقوق النساء باستخدام وسائل التواصل الجديدة التي أصبحت تستعمل ضمن آليات وتقنيات المرافعة.
بالنسبة للمشاركتين اللتين مثلتا تجربة جنوب إفريقيا، فجاء عرضهما عملي، إذ عمدت الجمعية التي يحملان اسمها، على تحويل شهادات نساء ضحايا التحرش الجنسي في مجال السينما، إلى أفلام قصيرة وكابسولات، عرضت على الشاشة، فنطقت الصورة بما تعاني منه النساء اللواتي اخترن امتهان السينما بمختلف مجالاتها وقطاعاتها. وقالت المتدخلة بأنه لا يمكن تغيير هذا الواقع بدون متابعة ودعم ومرافعة من الجمعيات النسائية.. وأشارت المتحدثة إلى أن 70 في المائة من النساء اللواتي يعملن في هذا مجال السينما، لا يشعرن بالأمان. وبأن 30 في المائة منهن لديهن أسر ويبلغن من العمر أقل من 30 سنة. والحل واضح في رأيها وهو الرفع من عدد النساء في هذه الصناعة وتعني الصناعة السينمائية. وقالت إن الإطار القانوني مهم، لكن ما لم نشتغل على المجتمعات ونغيرها، فلن تغيرها القوانين، وبالتالي يبقى الأهم هو تغيير العقليات والسلوكات وفضح كل مس يطال حقوق النساء. وأشارت المتحدثة إلى الضغط الذي مارسته الجمعيات النسائية بجنوب افريقيا، من أجل دمج بند الحماية والسلامة الجسدية في عقود العمل. وهذا أمر مهم لحماية المرأة.
المخرج المغربي سعيد الشرايبي والمعروف باشتغاله على قضايا المرأة وحضوها القوي في أفلامه، لامس قضية التحرش الجنسي، من خلال محورين، السينمائي والاجتماعي، وتساءل عن الأشكال الذي يتخذها التحرش في السينما وقال إن للتحرش أشكال وأوجه أخرى، هناك التحرش الزوجي والمهني والنفسي والاجتماعي، مضيفا أن التحرش يوجد في جميع المجالات ويمس كل المهن، إلا أنه يتخذ هالة أكبر في مجال السينما، وهو ما اعتبره فعل مرفوض ومس بأخلاقيات المهنة..
الناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس ساهم في هذه الندوة بمداخلة مرتجلة تحمل عنوان:” أي دور للسينما في تجاوز الصورة النمطية السلبية للمرأة العربية”، وطرح سؤالا عريضا حول” كيف ساهمت السينما العربية في تقديم صورة ايجابية عن المرأة؟”، وقال إن التحرش أقدم سلوك بشري وظهر منذ بداية الخلق مع آدم، مرورا بفرعون.. معتبرا أن المسألة تتعلق في الأصل بميزان القوة بين موقع المتحرش القوي والمتحرش بها الضعيف.
وقال إن هناك قضايا تبقى بدون حل حتى إن وجدت القوانين، فبالنسبة للتحرش الجنسي في مجتمعاتنا العربية، فهو مظهر من مظاهر الكبت الاجتماعي والجنسي الذي يعانيه الرجل، وبالتالي، لن نتخلص من ظاهرة التحرش الجنسي إلا إذا تمكنا تخليص الرجل من كبته والمرأة من ضعفها، معتبرا أن السينما تقوي المرأة حين تقدم نماذج لنساء قويات وفاعلات في المجتمع. وقدم بالمناسبة مثالا رائعا للمرأة العربية، الراحلة زها حديد التي استحضرها حين علم، وهو ينظر من شرفة فندق الداوليز الذي احتضن جانبا من فعاليات المهرجان، بأنها صاحبة تصميم وهندسة المعلمة الفنية والثقافية التي ستضيء فضاء ضفتي أبي رقراق، المسرح الكبير للرباط.