عن “فوبيا السياقة” وفوبيات أخرى..

محمد عفة

 

و أخيرا أصبح مقود السيارة مطواعا بين يدي أختنا الأستاذة عزيزة حلاق، بعدما طلقت بالثلاث “فوبيا السياقة” التي لزمتها كالخيال لسنوات معدودة، و هي التي لم تهب يوما سياقة القلم على الصفحات الأكثر خطورة– في اعتقادي- من السياقة على الطرقات.

صراحة، لم أكن أملك هذه المعلومة، إلا بعدما زارتني مشكورة – وهي صاحبة مثل هذه الالتفاتات الرقيقة– بإحدى المصحات عقب خروجي من عملية جراحية بردا وسلاما من سبحانه و تعالى، حيث سمعتها تحكي إلى زائرة من زميلات زوجتي – رفيقة محنتي- معاناتها مع “فوبيا سياقة السيارة”. وقد جاء ذلك في سياق الحديث الذي تبادلناه، حتى لا تبقى الزيارة صامتة و باردة برودة أعضائي من أثر العملية.

وأنا ممدد على سريري، وبدون أن أدري بدأت مع نفسي أحلل كلمة “الفوبيا”، ربما لتزجية الوقت الذي لا يوافق في رتابته و طوله بداخل المصحات أو المستشفيات توقيت (غرينتش العالمي). الفوبيا تبدأ على شكل دهشة، كقولهم لكل راكب دهشة، ثم تتزحلق فوق ثلج الخوف الملازم لصاحبه ككرة ثلج لتصبح إعاقة… و لا شماتة ،حتى أنا أعاني من فوبيا الزيارة الطبيب… لكن لما ألم بي الداء و بعد محاولات يائسة لتجاهله، كان لا مناص من شحذ همتي الرجولية وعزة نفسي الكلثومية و اتكالي على الله العفو الغفور، من زيارة الطبيب والخضوع لفحوصاته داخل عيادته و إجراء عملية جراحية…غرفة العمليات، و أنا اردد بيتا شعريا للمتنبي:” اذا لم يكن من الموت بد   …   فمن العار ان تموت جبانا ” .

و الفوبيا أصبحت أنواعها كثيرة، و غدا كل منا يبكي فوبياه. فهذا يعاني من فوبيا سياقة السيارة، و ذاك من فوبيا السباحة في البحر، و ذاك من ركوب الطائرة، و القائمة طويلة. وعلى ذكر الطائرة، تحضرني قصة طريفة بطلها شخص يعاني من فوبيا ركوب الطائرة مع إصابته بفوبيا المرأة إن صح هذا التعبير. فخلال إحدى سفرياتي إلى الخارج، جلس بجانبي أحد المسافرين، ما إن مرت أمامنا احدى المسافرات وكانت شابة في عز عنفوان شبابها ترتدي سروال جينز به فتحات تكشف عن جوانب من جسمها، حتى انتفخت أوداجه غضبا و راح يستغفر الله و يتعوذ به من الشيطان الرجيم ، يحدجني تارة و يومئ بذقنه صوب الفتاة التي أوقدت بركانه. لم أجاريه في التحاور، بل لزمت الصمت فالمسألة تتعلق من وجهة نظري بحرية شخصية ..حينها حول جاري المسافر الكلام إلى الناحية الأخرى، مفجرا بركان غضبه حمما على المرأة. ولم يهدأ إلى أن جاء الفرج وشرعت الطائرة في الإقلاع ، فوجدته وقد تخشب جسده خوفا، و لم يعد يسمع له صوت عدا مطمطة شفتيه الغليظتين.. و بقى على هذه الحال طيلة الرحلة الى أن رصت الطائرة على مدرجها، و طفق الجميع يصفق. و فتح باب قمرة الربابنة، حيث خرج منها ثلاثة في مقدمتهم ربانة  شقراء تختال في زيها الوظيفي الأزرق زرقة السماء التي كانت منذ سويعات تمخر سحابها بهذه الطائرة، في الوقت الذي كان رقيقي في السفرمدفونا في مقعده من شدة الذعر.

ما انفك جاري المسافر يصفق و بصره متربص بالربانة ذات العينين الزرقاوين بلون أزرق بديع، التي أذهبت عنه فوبيا ركوب الطائرة، و كذا فوبيا المرأة التي كان من قبل ينعتها بشتى النواقص . .ها هي اليوم تواري خزي رجولته.

رافقتك السلامة أختي العزيزة عزيزة في حلك و ترحالك و أنت وراء مقود سيارتك ترسمين مسار الحيطة و الحذر على طريقك. و أدام الله مداد قلمك فياضا يزخرف الصفحات بكلمات ملتزمة و يرصعها بأفكار نيرة.

مصحة …. ، 14 شتنبر 2018

 

 

 

Exit mobile version