مارسيل خليفة: هل نحن شعب يحب التهريج ؟

رئيس الوزراء ” المكلّف “

تحيّة وبعد . . .

هل نسينا الاشراق ؟

ماذا أصابنا ؟

هل نحن شعب يحب التهريج ؟

هل نحمل بخفّة تراث أجدادنا التجاريّة وتجري فينا دماء السمسرة بسعادة ووعي ؟

هل بلدنا بلا قضيّة ؟

هل نعيش في محرقة الزبالة ؟

هل نعيش في ظلمة قاحلة ؟

هل تلوّث دمنا وملحنا وبحرنا وجوّنا ؟

هل نأكل بعضنا البعض ؟

هل اختلط الحابل بالنابل : التافه ، المنافق ، اللص ؟

هل لا قيمة لبلدنا ؟

هل نحن بنك وكازينو وشركة طيران وسمسرة وعمولة وتهريب ؟

هل هذا وطن الشتيمة والوهم واليأس ؟

هل نحن شعب بلا قيمة ؟

هل نحن شعب رخيص ليس فينا واحد ينتحر من أجل رأي ؟

الحكم اللبناني كذّب على الجميع .

هذا الحكم المذنب .

هذا الحكم الجاهل .

نعلم أن الزهور التي تذبل عند الفجر والانهار التي تتيه بالزبالة لم تضع تماماً !

نعلم أن أحلامنا التي لم تتحقّق بعد لم تضع تماماً !

الجوّ مبلّل بالدموع في الظلال الصامتة . إن سلام الحزن يخيّم على بلدنا كما يخيّم الصمت الثقيل على ” القانون ” قبل أن يشرع في بعث أنغامه ” بإحكام ”

إحمل مصباحك واتبعنا على هذه الأرض لتخفّف من عداوة الظلمة الممتدّة في الطرقات .

إننا نرحل طوال الليل بمصابيحنا الموقدة وهدير الموج المدوّي يرتفع إلى عنان السماء . والدنيا قد تآلفت مع الظلام .

إلى أي أرض سنلجأ ؟ وتسأل عن سرّ الدموع ؟

لقد نسيت فيما نسيت أنك نسيت زهرة الثقافة التي تذبل هنا وتفرّخ في بلاد بعيدة .

ما هي الثقافة ؟

سؤال بسيط !

الثقافة : أن لا نترك الراعي الذي يرعى قطعانه جالساً تحت شجرة وارفة الظلال وهو يضفر في كسل اكليل زهر الحفافي .

الثقافة : حين يكون الليل عذباً مثل الزهرة الحديثة التفتّح وحبال الاراجيح في حرش ” بيروت ” تبدو مع الزهور المتفتحّة فوق الاغصان وريح الجنوب ترتجف بالموسيقى والاطفال الفرحون يتجمعون على ضفاف الساقية .

الثقافة : حيث الابتسامات تنضح في الدموع والساعات تتوجّع لأغان لم تغنّى بعد .

الثقافة : عندما يتسم المساء بطابع الوحدة وتقرأ كتاباً حتّى يجف النعاس فتغلق الصفحة وتطفىء المصباح وتنام ، وفي لحظة خاطفة يغمر سريرك فيض من نور القمر . . . يا لروعة الجمال !

الثقافة : أن لا تنام لترى روح الجمال على ضوء القمر .

الثقافة : أن لا تنسى الزهور المنتشرة في بساتين ” صيدا ” ورغم ما مرّ عليها من أزمنة صعبة ما زالت تواصل إرسال عطرها.

أيها الطفل الذي كنته ذات يوم أما زلت تذكر أيامك الملطخّة بعطر البساتين .

أما زلت تذكر الطريق القديمة وصحاحير البرتقال والاكادنيا والرجال منصرفون إلى أيامهم وكنت تسأل :

أين تقع الجنّة ؟

فيرّد أحدهم : إنها تقع هنا ، هنا ، هنا !

لماذا لا نؤمن بالثقافة ؟

لماذا لسنا مشمولين بالثقافة ؟

لماذا الكراهيّة العميقة للثقافة واحتقار المثقفين ؟

لماذا الرقابة الجاهلة المتمثلّة بمقص قاطع لا يجد ما يلهو به سوى مقطع من أغنية أو فيلم أو مسرحيّة وتلقيننا دروسه الحصيفة في الوطنية والمواطنيّة ؟

يا سعادة الوزير الاول ” المكلّف ” الثقافة هي الخلاص تبدأ كل يوم مجددة أيامنا في أجنحة طريّة كالحرير .

فلتخفق أجنحة الثقافة لتملآ الجو بالأوكسيجين وما أحوجنا .

حضرة رئيس الوزراء ” المكلّف ” فلتجذبك قوافي الشعراء . . .

لتصبح على وطن .

Exit mobile version