سعاد الشنتوف
أثارت حملة المقاطعة تلاسنا حادا بين أطياف اليسار واليمين وداخل أطياف اليسار استعملت فيها كل الفزاعات المتاحة “التخوين”، و نعوت قدحية ، مع تسفيه كل طرف لموقف الآخر المختلف معه.
أثارت كذلك حملة المقاطعة ردة فعل قوية من طرف “حراس المعبد” .الحكومة المفروض فيها الحياد وهي تمارس مهمة الدفاع عن المصلحة العامة وليس الاصطفاف الى جانب الطرف ذو الحظوة لديها.
موقف الحكومة في تدبير ملف حملة المقاطعة اظهر بشكل مكشوف وجهها الحقيقي ..فقد استكثرت على المواطنين والمواطنات الخروج من دائرة “الرعايا” وابداع أشكال جديدة لمواجهة وحشية الرأسمالية التي شرعوا لها الابواب عبر سياسات عمومية تنهل من اختيارات سياسية اقتصادية لا تراعي مصلحة الوطن التي يتبجحون بها، بل تراعي فقط وتدعم مصالح حفنة من” برجوازية هجينة” تستفيد من كل الامتيازات التي يتيحها زواج السلطة والمال المكرس للاستبداد السياسي والاستغلال الاقتصادي في أبشع مستوياته .
وبقدر ما تشكل هذه الدينامية- “حملة المقاطعة”- فرصة حقيقية لضخ دماء جديدة متجددة في النفوس، بقدر ما تشكل كذلك فرصة لخلق ومواكبة نقاش عمومي رصين ينأى عن المزايدات والحسابات السياسوية .
فالحاجة اليوم الى هذا النوع من النقاش المواكب للدينامية المدنية ،يغذيها بالافكار والملاحظات البناءة هي حاجة موضوعية يمليها السياق العام المتسم بعناصر منها.
غياب مواكبة الاحزاب” التاريخية ” للدينامية وهو معطى أصبح ثابتا ،استحضر على سبيل المثال لا الحصر محطتين :الحسيمة وجرادة .هذا من المؤشرات الدالة على انفصال الفاعل السياسي عن ادوار التأطير المنوطة به واختزال كيانه وتقزيمه لكائن انتخابي مهرول نحو الطرف الذي يضمن تحقيق مصالح نخبه الفاسدة المتنفذة في دواليب القرار الحزبي …وهو ما يجعل ازمة الديمقراطية التمثيلية تعيش مأزقا حقيقيا ما فتئ يتعمق لحد أن استشراف أفق على هذا المستوى غدا مستعصيا..
غياب وضعف و تهلهل النقابات كفاعل معني بالدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ،معني بسؤال العدالة الاجتماعية وعدالة النوع ..اذ أصبحت شبحا باهتا فاقدا لكل مصداقية ،فاقدا للقدرة على التعبئة في معارك يواجه فيها المواطنون العزل جشع الرأسمال المتوحش المدعوم بالاستبداد السياسي وما تداخل السلط إلا مؤشرا على هذا الاستبداد..
جمعيات المجتمع المدني عامة والموضوعاتية خاصة تلك المعنية بالدفاع عن المستهلك عبر تنظيم أصوات احتجاجاته ،التقاطها ،تأطيرها ،الترافع حول مطالبها هي في سبات ..فقط صارت إسما دون حضور وازن وفعال على مستوى النجاعة.
مسلسل التراجعات عن توصيات هيئة الانصاف والمصالحة وعن التعاقد الدستوري الذي تمخض عن دينامية حركة 20فبراير: مهازل المحاكمات وقمع الحركات المدنية الاحتجاجية مستمر.
لذا فان مداخل مواكبة هذه الدينامية هي من مهام المثقفين والفاعلين المنخرطين في قضايا الكادحين..