الشعبوية.. حصاد الإخفاقات المؤسسية والسياسية

بقلم: يوسف اغويركات

للذين يتباكون اليوم على انتشار المد الشعبوي، وللمندهشين من صوته العالي وحضوره الطاغي في الفضاء الرقمي… نسأل ببساطة، من غذى هذه الشعبوية؟ من مهد لها الطريق؟

الشعبوية لم تنبت فجأة، ولم تهبط من السماء. نماها الفراغ الذي خلفته السياسات الخائبة، والخطاب النخبوي المنفصل عن الناس، واللامساواة التي تتسع يوما بعد يوم. كبرت حين أغلقت المؤسسات آذانها عن مطالب المواطنين، وحين أصبحت الثقة في الفاعلين العموميين سلعة نادرة.

انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، لأنها وجدت ساحة خالية، وأصوات الرصانة غائبة أو مكبوتة أو خائفة، بينما تنافست أصوات أخرى على التبرير بدل المساءلة.

انتشرت الشعبوية أيضا لما سمح بتأسيس أحزاب من عدم، مما مكن بعض القوى من الاستئساد في المشهد السياسي دون رادع. انتشرت حين تم تزوير الإرادة الشعبية، وحين واجه المواطنون التضييق على حقوقهم وحرياتهم الأساسية. هذه الانتهاكات المتراكمة أعطت الشعبوية أرضا خصبة لتتغلغل وتستثمر كل ضعف مؤسسي وسياسي، مستغلة الشعور بالإحباط والغضب لدى الناس.

الشعبوية اليوم ليست لغزا… إنها نتيجة تراكم الخيبات. نتيجة نظام تواصلي هش متروك، في جزء منه، لجهلة يقطرون حقدا وكراهية. إنها نتيجة تجاهل طويل لنبض الناس وهمومهم الحقيقية.

فحين تُترك المؤسسات بلا شفافية، وحين يهمش المواطن في صنع القرار، تصبح غضباته مبررة، حتى وإن انحرفت في أحيان كثيرة.

وما وقع في تلك الغرفة المظلمة للجنة الأخلاقيات كان سقوطا أخلاقيا مدويا، حيث تم إقحام القضاء والاعتداء على العدالة، بالإضافة للسب والقذف بأسلوب فاجر ومقزز، هي ممارسات لا تُهدئ المشهد، بل تمنح الشعبوية جرعات إضافية من الوقود، إذ تُرسل رسالة صريحة للمواطن، “انظر… المؤسسات التي تطلب منك الثقة نفسها لا تلتزم بأبسط معايير المهنية والاحترام”.

حين تصبح المؤسسات، المفترض بها حماية العدالة والشفافية، مرتعا للانحراف والتجريح، فإن الشعبوية لا تواجه فقط الظواهر السطحية، بل تستفيد من كل ضعف داخلي يمنحها شرعية في نظر الجمهور الغاضب.

فلا معنى للبكاء على المد الشعبوي دون الاعتراف بمن صنع تربته، وسقى جذوره، وتركه ينمو بلا رقيب. مواجهة الشعبوية الحقيقية تبدأ بمواجهة الأسباب، إصلاح المؤسسات، تعزيز الشفافية، محاسبة المقصرين، واستعادة الثقة بين الناس ومن يمثلهم.

حين نعمل على ذلك، لا نكتفي بالانتقاد، بل نبدأ بتغيير الواقع المأزوم، ونقطع الطريق على كل من يحاول تحويل غضب المواطنين إلى قوة سياسية بلا مسؤولية.

 

Exit mobile version