زهران ممداني.. العمدة الذي غيّر وجه نيويورك

“ستظل نيويورك مدينة المهاجرين؛ مدينة بناها المهاجرون، وتشغّلها سواعد المهاجرين، واعتباراً من هذه الليلة، يقودها مهاجر. أنا مسلم، اشتراكي ديمقراطي، ومهاجر. وهذه ليست صفات تُخفى، بل هوية أفخر بها وأمثلها. عملنا لم يبدأ بعد، فهذه ليست النهاية، بل بداية طريق طويل نحو مدينة أكثر عدلاً وإنسانية. فاسمعني جيداً، الرئيس دونالد ترامب: إذا أردت أن تصل إلى أيٍّ منا، فعليك أن تمرّ بنا جميعاً.”

بهذه الكلمات، أعلن زهران ممداني أن نيويورك ستظل مدينة مفتوحة للجميع، تنبض بالحياة بفضل تنوعها الثقافي والمهاجرين الذين ساهموا في بنائها، مؤكداً أن هويته الشخصية جزء من رؤيته للقيادة ومسؤوليته تجاه ناخبيه ومجتمعه.

بفارقٍ وصفته الصحافة بـ”الزلزال الانتخابي”، فاز ممداني بعمودية نيويورك متفوّقاً على خصمه المخضرم أندرو كومو، ليصبح أول مسلم يتولى هذا المنصب في تاريخ المدينة، وأحد أبرز رموز الموجة التقدمية التي بدأت تعيد رسم الخريطة السياسية الأميركية.

لم يكن انتصار ممداني مجرد تناوب ديمقراطي عادي، بل تحوّلاً في المزاج الشعبي لمدينةٍ طالما حكمتها النخب السياسية والمالية. فالشاب ذو الأصول الإفريقية-الهندية، القادم من صفوف الناشطين الاجتماعيين في كوينز، تحوّل إلى رمزٍ لليسار الجديد في نيويورك. بنى حملته على وعود بسيطة لكنها جذرية: تجميد الإيجارات، خفض تكلفة المعيشة، وإعادة توجيه ميزانية المدينة نحو الخدمات العامة بدل الامتيازات الخاصة. لغةٌ بدت “شعبوية” للبعض، لكنها تحولت إلى نداءٍ صادق لآلاف الناخبين الباحثين عن صوتٍ يشبههم، لا يتحدث من فوق المنصة، بل من قلب المعاناة اليومية.

في خطابه عقب إعلان النتائج، قال ممداني: “لقد صنعنا التاريخ، وكما قال نيلسون مانديلا: يبدو الأمر مستحيلاً حتى يتحقق. لقد فعلناها.” ثم أضاف بلغةٍ تجمع بين العزم والتواضع: “عملنا لم يبدأ بعد، هذه ليست النهاية، بل بداية طريق طويل نحو مدينة أكثر عدلاً وإنسانية.”

ذلك الخطاب لم يكن مجرد احتفالٍ بالنصر، بل بياناً سياسياً جديداً موجهاً إلى المؤسسة التقليدية التي حكمت نيويورك لعقود. ممداني وضعها أمام خيارين: إما الإصغاء لنبض الشارع، أو مواجهة موجة التغيير التي لم تعد قابلة للإيقاف.

وراء هذا الفوز رمزيةٌ عميقة: أن أميركا التي يُراد تصويرها منقسمة ومغلقة، ما زالت قادرة على احتضان ابن مهاجرين ليقود أعقد مدنها وأكثرها تأثيراً في العالم. إنه انتصار للسياسة التي تعود إلى الناس، وتخاطب أحلامهم لا مصالح اللوبيات.

فوز ممداني لا يُقاس بعدد الأصوات وحدها، بل بما فتحه من أفقٍ جديد للسياسة التقدمية في أميركا. هو تذكيرٌ بأن التغيير، وإن بدا مستحيلاً، يبدأ من صندوق اقتراعٍ صغير… ومن كلمةٍ صادقة تُقال في وجه الكبار.

من هو زهران ممداني؟

وُلد ممداني في أوغندا، ونشأ في كيب تاون بجنوب إفريقيا، ثم انتقل إلى نيويورك في السابعة من عمره. التحق بمدرسة برونكس الثانوية المرموقة للعلوم، وتخرج في كلية بودوين حاصلاً على درجة البكالوريوس في الآداب. وهو ابن المفكر محمود ممداني، الأستاذ في جامعة كولومبيا، والمخرجة ميرا ناير، صاحبة أفلام شهيرة مثل ميسيسيبي ماسالا وزفاف مونسون.

قبل دخوله معترك السياسة، عمل ممداني مستشارًا إسكانيًا، كما كانت له تجربة في موسيقى الراب تحت اسم “السيد كارداموم”. ورغم أن خصومه استخدموا هذه المرحلة للسخرية منه والتشكيك في جديته، فإنها ساعدته على التواصل مع جمهورٍ شاب ومتنوع.

حتى إن أحد مساعدي حملته، أندرو إبستاين، أشار إلى أن تجربة ممداني الموسيقية كانت “تمريناً على الإصغاء للناس بلغتهم الحقيقية”، وهو ما جعله أكثر قرباً من قضاياهم.

Exit mobile version