بين القمامة والفخر: مفارقة وطن

حديث بسمة/ عزيزة حلاق

في زاوية شارع مزدحم، وسط صخب المدينة، كان رجل متشرد ينحني على أكياس القمامة يبحث عن بقايا طعام تسد رمقه. مشهد مؤلم يختصر معاناة كثيرين يعيشون على هامش الحياة.

لكن ما شدّ انتباهي لم يكن فقره، بل القميص الذي يرتديه، وقد كُتب عليه بخط واضح: “مغربي وافتخر”.

عبارة تفيض بالعزة، لكنها هنا تبدو كجرح مفتوح. فكيف يجتمع الفخر مع الجوع؟ وكيف تلتقي الوطنية مع الإقصاء؟ مشهد واحد كفيل بأن يضعنا أمام سؤال كبير: أي معنى يبقى للفخر إذا لم تُصن كرامة الإنسان؟

الصورة صادمة لأنها تعكس تناقضًا عميقًا بين الشعارات والواقع. كلمات الفخر تصطدم بواقع الفاقة، فتتحول إلى صدى فارغ يذكّرنا بأن الوطنية لا تُقاس بما نعلّقه من شعارات، بل بما نمنحه من كرامة وعدالة ومساواة.

الانتماء الحقيقي للوطن لا يكون بالقول، بل بالفعل؛ حين يجد كل إنسان مأواه، وحقه في العيش الكريم، والتعليم، والعمل. لا معنى لقول “أفتخر بوطنٍ” لا يضمن لأبنائه الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية.

ليست الصورة مجرد مشهد عابر، بل مرآة مؤلمة لما آلت إليه القيم في زمن اختلط فيه الفقر بالتظاهر، والوجع بالشعارات. إنها تذكير بأن الفخر لا يُلبس، بل يُصنع؛ يُبنى بالعدل، ويُترجم في السياسات التي تحمي الإنسان من التسول والضياع.

ذلك الرجل، بين القمامة والفخر المطبوع على قميصه، ليس حالة فردية، بل رمز لوطنٍ يحتاج إلى مراجعة ضميره الجمعي. فالفخر الوطني لا يثبت في الكلمات، بل في الأفعال التي تحفظ كرامة الجميع دون استثناء.

لنا أن نحب بلادنا ونفتخر بها، ونعتز بانتمائنا إليها، لكن يبقى التحدي أن يكون الوطن للجميع… لا أحد يُقصى، ولا كرامة تُهان.

Exit mobile version