“أسرى الانتظار”… حين يتحوّل الوثائقي إلى فعل نضال بالصورة

بقلم: الناقد السينمائي مصطفى الطالب

يُعدّ الفيلم الوثائقي مغامرة سينمائية جريئة في مجتمع لم تتجذر فيه بعد ثقافة هذا النوع من السينما، ولم يستوعب تمامًا أهميته، ووظيفته الفكرية، والتاريخية والفنية. ويزداد هذا التحدي صعوبة في زمنٍ تُكرَّس فيه كل أشكال المسخ، على مستوى الذاكرة والهوية والثقافة والقيم والإنسان، في إطار ممنهج تُسخَّر له كل الوسائل المادية والبشرية والإعلامية.

من هنا، يصبح خوض تجربة فيلم وثائقي جاد ينتصر لقضية وطنية، كقضية الصحراء المغربية، عملاً نضاليًا وموقفًا مقاومًا، وإيمانًا عميقًا برسالة الصورة وبقوة السينما في الدفاع عن القضايا العادلة.

وهذا ما ينطبق تمامًا على المخرجة لبنى اليونسي وفيلمها “أسرى الانتظار”، الذي شارك ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية في الدورة الخامسة والعشرين من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، واكتفت لجنة التحكيم بتنويه خاص للعمل.

ومن شاهد الفيلم ومن سيشاهده (وهذا ضروري انتصارا لقضيتنا وخاصة ونحن نعيش فرحة تاريخية تتجلى في اعتراف المنتظم الدولي بمغربية الصحراء وبالمقترح المغربي لهذا الصراع الذي ضحى المئات من المغاربة بأرواحهم من أجله وأسروا وعذبوا في سجون العدو.

الفيلم، الذي يشارك فيه الممثل ربيع القاطي، ابن واحد من شهداء هذا الوطن، جسّد بجسده وروحه معاناة الأسرى المغاربة في سجون العدو. و لعب دورا هاما في استخراج الأحاسيس الدفينة لدى الاسرى وصلت لحد البكاء والصمت المعبر حين تعجز الكلمات عن التعبير.

من يشاهد هذا العمل، يلمس الجهد الكبير الذي بذلته المخرجة وطاقمها على المستويين الفني والبحثي، سواء في تعقب أثر الأسرى، أو في توثيق شهاداتهم المؤلمة المفعمة بالألم والإنسانية والأمل في آن واحد، إلى جانب معاناة أمهاتهم وأسرهم.

يحمل عنوان الفيلم “أسرى الانتظار” دلالات عميقة: انتظار الفرج، وانتظار الإفراج، وانتظار الاعتراف بتضحيات من عاشوا الجحيم في تندوف. شهاداتهم تنبض بالقوة والإيمان، وتتحول إلى دروسٍ للأجيال القادمة.

وقد نجح ربيع القاطي، بعفويته وحرقة فقدان الأب الشهيد وافتخاره به في الوقت نفسه، في أن يفتح كوة في ذاكرة الأسرى ويستدرج منهم لحظات صمتٍ وبكاءٍ لا تحتاج إلى كلمات.

ورغم الصعوبات التي ترافق أي عمل وثائقي، فإن “أسرى الانتظار” يتميز بجمالية الصورة وثراء فضاءاته، وبالانتقال السلس بين الماضي والحاضر، وبين التفاصيل الدقيقة واتساع الصحراء، إضافة إلى الاستخدام الذكي للانتقالات البصرية (transitions) التي كسرت هاجس الرتابة وجعلت المتفرج يعيش الفيلم وكأنه جزء منه.

المخرجة لبنى اليونسي، المعروفة بانخراطها في الدفاع عن قضية الصحراء المغربية وتوثيقها لمعاناة الأسرى في سجون البوليساريو، وصمودهم، تؤكد من خلال هذا العمل التزامها المهني والوطني في آنٍ واحد.

وحريٌّ بنا أن نعترف بجهودها، وأن نكرم “أسرى الانتظار” وأبطاله الذين ضحّوا دون أن ينتظروا جزاءً ولا شكورًا، خاصة في هذه المرحلة التاريخية التي يعيشها كل المغاربة بفخرٍ واعتزاز.

 

Exit mobile version