كيف يؤجج المغاربة اليأس في مُعاديهم…

بقلم: طالع السعود الأطلسي

المَعني بأوضاع المغرب أو مجرد مُتابع لها، سيلاحظ كثافة، التصعيد النوعي وتعدد مصادر التحامل عليه… هي أوركسترا لعازفين كُثُر تتكامل “مقذوفاتهم” الإعلامية على المغرب… من شُعبة الحرب النفسية في المخابرات الجزائرية، بأدواتها المكشوفة، في الإعلام الجزائري الرسمي والرديف، وبذبابها الإلكتروني الذي يقصف المغرب بما “لا يلَذ ولا يطيب” من الأخبار الزائفة والكاذبة والمغشوشة والطائشة، وضمن ذلك الذباب مرتزقة مغاربة  فاعلين فيه أو منخرطين في حملاته أو متضامنين معه، مرتزقة مغاربة مقيمون في الجزائر نفسها، وُعدوا بجمهورية وهمية بالريف المغربي الوطني، أو مقيمين في إسبانيا، في فرنسا، في ألمانيا، في بلجيكا، في ولايات أمريكا وفي كندا… وتستفيد تلك الأوركسترا، بين فاصل وآخر من ضوضاء  مواقع إسبانية، يحركها محترفون إسبان في معاداة المغرب… وأخيرا انضمت إلى تلك الأوركسترا جريدة “لوموند” الفرنسية، التي اختار معدو الملف المخصص بها للتحامل على المغرب، أن يُجمعوا فيه كل حصيلة ذلك “العزف الجنائزي”، لأزيد من ربع قرن، من حقائق ناقصة أو مغلوبة، ومن استنتاجات غير دقيقة، ومن تحاليل خاطئة، ومن إشاعات ومن أكاذيب ومن دسائس مُنتقاة من قمامة مناهضة المغرب…

مناهضة المغرب لها تاريخ ولها أسباب… وتتلخص في تضايق مزمن وانزعاج من النظام الملكي المغربي… وفي كل مرحلة تتجه إلى الملك، رأس النظام، وإلى حيثياته الشخصية أحايين كثيرة… كما يحدث اليوم مع هذا التركيز المثير على الملك محمد السادس…

الملك، مَشغلة، توجع رؤوس المتحاملين… فهبوا إلى حملة تعج بخيالات تآمرية، تنفث روائح عطِنَِّة بعداوة مبيتة في دواخل الحق على المغرب… وللمغرب رمزه وقائده هو الملك، وله رجالات من قادة المؤسسات الاستراتيجية خاصة، لدولته فاعلون، مجدِّدون، أوفياء لملكهم ومخلصون لوطنهم… فتصاعد التحامل، بالجملة على المغرب، بكثافة دعائية مضادة من مكامن متعددة…

من جهات معلنة، تلك التي تصر وعن ترصد، على إعلان مراميها في إضعاف المغرب وقضم بعض أطرافه، جنوبا وشمالا، إضرارا به وتقزيما له… ومن جهات لها مصالح في وقف الاندفاع التنموي المغربي والذي يعزز استقلال قراراه السياسي والاقتصادي ويؤهله إلى ريادة إفريقية، تلمسها، هي، مزعجة لها وتحد من نفوذها التاريخي ومنافعها الاقتصادية في إفريقيا. وهي جهات لها عسر في هضم الحماس الاستراتيجي لدولتها نفسها في تعميق العلاقات مع المغرب…

وما بين تيْنكَ الجهتين، هناك شرذمة من مغاربة، لهم سوابق في النصب والاحتيال في المغرب، وبها فرّو إلى الخارج على متن ادعاءات متخيلة ليحتموا بها داخل لجوء سياسي مكذوب، وقد مُنح لهم، في حالات كثيرة، ليس حماية لهم، بل لوضعهم في احتياطات دول، لاحتمالات استعمالهم عند الحاجة… إذ أن الدول ليس لها مشاعر وفاء لأخوة ولا لصداقة، وفاؤها دائما لمصالحها فقط…

وقد وجد أولائك في “التيكتوك” الملعب المفتوح، السهل والمريح، لكل ما يتقنوه من عجن الدسائس وإطلاق الأكاذيب والعُواء بالبهتان والنهيق بالمناكر… بعضهم، وحسب تصريحاتهم، حين تلاسن بينهم، مخابرات عدة دول لم تتبين لها جدوى منهم، وهم لا ينفون حاجتهم إلى من يشغلهم ضدّ وطنهم…

حملة العداء للمغرب، ولمؤسساته، مع اختلاف وتنوع مصادرها ومراميها، تقوم على فرضية أن المؤسسة الملكية، فقدت بريقها الذي شع منها سنوات بداية حكم الملك محمد السادس، وأن النخب نافرة منها وعموم الشعب ساخط عليها… فضلا عن استثمارها لقراءة مدرسية جافة لأرقام المعطيات الاجتماعية والاقتصادية المغربية، والتي تنشرها تقارير مؤسسات مغربية مختصة ومختلفة، توهمها بأن المغرب ماض إلى الإفلاس أو هو واغل فيه…

ما تتحاشاه الجهات المعادية للمغرب هو حقيقة أن للملكية في الكيان المغربي منزلة في القلب، الجامع له والنابض به… لها في الوجدان المغربي، التاريخي والجمعي، سريان النُّسْغ الحيوي للمغرب… بها عبَر المغرب ما يزيد، كثيرا، عن اثني عشر قرنا… إذا لم نحتسب الملكيات الأمازيغية، قبل دولة الأدارسة، التي تأسست سنة 789 ميلادية، وما تعاقب على حكم المغرب بعدها من دول كان بعضها إمبراطوريات، إلى تأسيس الدولة العلوية سنة 1631 والتي لها اليوم قرابة الخمسة قرون… تعاقبت دول على المغرب، واشتعلت فيه فتن وتعرض لغزوات واحتلالات… وبقيت الملكية نظام حكم للبلاد، بالاختيار الطوعي للمغاربة وبالاحتضان الإرادي الذي تجسده “البيعة”، والتي هي تعاقد ديني وسياسي بين الشعب والملك، يقوم على اشتراطات شعبية (برعاية علماء الأمة) مقابل الطاعة، وأهمها صون وحدة البلاد والذود عن استقلالها…

وقد حدث ذلك، في معركة وادي اللبن، بالقرب من فاس (سنة 1558) التي انتصر فيها المغرب على العثمانيين وأوقف غزوهم للمغرب… وبذلك لم يخضع لسلطة الخلافة العثمانية… وحدث ذلك، أيضا، قرب القصر الكبير شمال المغرب، في معركة وادي المخازن (سنة 1578) التي انتهت بدَحر الغزو البرتغالي للمغرب، وإفشال  محاولة السيطرة الصليبية على غرب البلاد الإسلامية… كما تصدى ملوك الدولة العلوية للاحتلالات، الاسبانية والبرتغالية، لمدن الساحل الأطلسي… وصولا إلى تلاحم الإرادتين الملكية والشعبية في ملحمة الكفاح الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، والتي أدت إلى استقلال المغرب سنة 1956… وهنا لا بد من التذكير بأن قادة الحركة الوطنية (بعضهم أصبحوا قادة للمعارضة الديمقراطية) تشبتوا بعودة الملك محمد الخامس إلى المُلك، رغم إغراءات المستعمر وحتى لومُه لهم، بأن هذه “فرصة تاريخية للتخلص من الملكية”… وهم كانوا، بعد نفي الملك سنة 1953 إلى مدغشقر، واكبوا الغضب الشعبي وأطروا انتفاضته، وأوحوا بصورة محمد الخامس في القمر…

الملك الحسن الثاني أبْدَع المسيرة الشعبية لتحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني (سنة 1975)، فهب كل المغاربة لهذه المهمة الوطنية، وسارع كل الجسم الوطني بما فيه قادة المعارضة الاشتراكية والراديكالية اليسارية، إلى مباركة التوجه الملكي الوحدوي الوطني، والانخراط فيه ضمن ما عرف بالإجماع الوطني… واليوم يواصل الملك محمد السادس قيادة الإصرار المغربي، التنموي والديبلوماسي، على تحصين الوحدة الوطنية، ترابا وشعبا، ويصطف معه كل الشعب المغربي، وبكل فصائله السياسية… أقول كل لأن الإحصاءات لا تعتمد ما بعد الصفرين في أرقامها، أو أن “النادر لا حكم له”…

تعرض المغرب، على الأقل، في هذا النصف الأخير من نهاية القرن الماضي وبداية هذا القرن، لحملات عدوانية وهجومات من الأقربين ومن الأبعدين، وبقي صامدا… بقي نظامه الملكي في موقع المعبر عن سيادة البلاد وعن استقلالها وعن مصالحها، مُحاطا بالالتفاف الشعبي… وقد كان دالا أن غليان حركة 20 فبراير 2011، عبرت عن غضب شبابي من انحباس سياسي واجتماعي يُفرمل المسار التنموي للمغرب، وحملت مسؤولية ذلك إلى “الفساد” ولكنها أبعدت نفسها من تمنيات الأعداء والمغرضين، ولم “تهتف” بشعار “إسقاط النظام”، على نمط ما سارت عليه حركات ما سمي (زورا وتضليلا) بالربيع العربي…

شرُفت بأن أسمع واحدا من حكماء تدبير الدولة للشأن المغربي العام… وهو واحد من “أهل البرهان”، كما عرفهم ابن رشد… سمعت منه رأيه فيما يُرمى به المغرب من حقد… كان هادئا، كما هو طبعه، وما تمليه عليه درايته التاريخية العميقة وعلو معرفته الدينية وثراء حسه الأدبي… وكان من بين ما أشار علي به، بأن لا خوف على المغرب… كيانه متين البنيان، صلّبته ابتلاءات وامتحانات التاريخ والحاضر… من قوته أنه منهمك في مشروعه التنموي، بجوهره الوطني وامتداده الإفريقي وحساسيته المتوسطية… وهو انهماك وقوده تفاعل المؤسسة الملكية مع الشعب… بحيث أن الملك محمد السادس، مستندا على شرعيته التاريخية والدينية والسياسية، متّن تدبيره للدولة بشرعية المنجزات الوطنية، الاقتصادية، الاجتماعية، الدينية وطبعا السياسية… ومنها ما هو ملموس في عمران البلد، من الجنوب إلى الشمال… ومنها ما ترسخ من ثوابت حكامة المغرب كالاختيار الديمقراطي…

ويضيف، الحكيم، شارحا، بذلك، الدولة لا تلتفت إلى حملات العداء والتحامل… الرد عليها يكون في المنجزات وفي آليات التقويم الذاتي لها، والتي يحرص على تشغليها الملك محمد السادس نفسه… حين نبّه، مؤخرا إلى تقويم المسار التنموي بتعديل سرعاته بتكافئها وتقاربها…

المجتمع السياسي والمدني معا، يفترض فيهما أن يتصديا لمن يبخسهُما فعاليتهما… وليكون الرد بنفَس وطني صارم ودائم… رد يصيب المعادين والمتآمرين والمتطاولين والمتربصين باليأس… يغرقهم في اليأس من وهم الإضرار بالمغرب وبمؤسساته الوطنية والشرعية… حتى نبلغ ما وعد به سبحانه المؤمنين “اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون…” (سورة المائدة، الآية 2)… بطلان حملاتهم واصطدامها بالإصرار الوطني المغربي يعود عليهم باليأس…

قوة أمل المغاربة ينبغي إشهاره وإعلاؤه والصدعُ به… في اجتماع الفعاليات الحزبية والنقابية المغربية، حول تصريح مشترك… يقول للعالم أننا جبهة واحدة في الدفاع عن ثوابت هذه الأمة من الوحدة الوطنية، النظام الملكي المغربي والاختيار الديمقراطي… وما عدا ذلك، فهو مفتوح للتدافع الديمقراطي والتنافس المشروع… كل تلك المكونات، وعلى حدة وبالصيغة التي بدت لكل واحد منها مناسبة، تصدت للتحامل على المغرب… إذ الثوابت موضوع إجماع وطني مغربي…

أن ييأس المتحاملون على المغرب مهمة وطنية وسيلتها تعبير وطني، لكل حساسيات العمل الحزبي والنقابي، بقوة وبحماس وبوضوح عن اصطفاف إجماعي حول ثوابت الوطن…

وثيقة وطنية من تلك الطبيعة، تمكن الحياة السياسية المغربية من أن تبقِر التحامل وتتعبه… والأهم أنها ستحرر النقاش العمومي والممارسة السياسية، في هذه السنة “الانتخابية”، للتفرغ بالحيوية المطلوبة إلى حيثيات ولوازم الاستحقاق الديمقراطي بما يوجبه من إبداع في تقويم المسار التنموي وتطويره بالرأي والرأي الآخر لتجويد مستهدفاته الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية…

ذلك مقترح، أو نداء حكيم وطني، عسى أن يجد فيه حكماء من الحياة السياسية والنقابية المغربية ما يحفزهم على تجميع الصفوف لإعلاء الأمل المغربي… ذلك الأمل الذي يُحبط المعادين للمغرب ويضرم في دواخلهم لهيب اليأس….

Exit mobile version