بقلم: زكية حادوش
كما يحصل معي دائما أصدقائي، أتساءل ما فائدة الكتابة في زمن التفاهة وأقرر ركن حاسوبي أو دفتر رسائلي المتأخرة دائما عن موعدها في أقصى ركن من غرفتي حتى لا يلمزني شيطان الكتابة وأتفرغ للعمل الميداني (الذي صرت أشكك في جدواه هو كذلك)، أو أمضي في استهلاك مضادات الاكتئاب والمضادات الحيوية وكل مضاد يخطر لكم على البال من شأنه أن يفتح شعبي ورئتي لاستنشاق هذا الهواء والبقاء على قيد العيش، أقول العيش وليس الحياة لأن الحياة صارت ترفا في هذا الوقت الملتبس حتى على أصحابه.
غير أن الأحداث فرضت نفسها ووجدت نفسي أخط هذه الرسالة رقم 19 رغما عني، وهي موجهة إلى الغرب أو إلى دول الشمال، أو ما يجب أن نطلق عليهم حسب الموضة الآن…أو على الأقل إلى عقلاء الإنسانية الذين أصبح عددهم يتناقص يوما بعد يوم! هي مجرد أسئلة غبية من مواطنة رماها قدرها الأرضي في دولة من دولة الضفة الأخرى، أي الجنوبية أو الإفريقية، أو العالم الثالث كما نعته أجدادنا وأجدادهم: أسئلة لا تبدأ بمن صنع ذلك الكيان الذي يدعي أن اسمه إسرائيل ولو أن الجواب بسيط للغاية، كما تعلمون محرقة “الشعب اليهودي” حصلت في أرض معقل الرجل الأبيض (أوروبا) على يد قوة استعمارية وانتهت الحرب بانتصار قوى استعمارية أخرى وعدت “اليهود” المضطهدين بأرض لهم (ولم يعدهم يهودا نفسه بذلك) يا للصدف الإلهية! تقع بالضبط على أرض فلسطين الصغيرة جغرافيا أصلا والمزدحمة بالسكان الأصليين “الذين يجب على الرجل الأبيض تحظيرهم” (نسبة إلى الحظيرة وليس إلى الحضارة، لأن الحضارة الإنسانية حضارة مشتركة ولا يليق بأي كان أن ينسبه له وحده).
حتى لا أطيل عليكم، الأسئلة تبدأ هنا والآن:
- من يهتم حين يسقط فوق رأسه صاروخ هل هو صاروخ ذكي أم غبي؟ هل هو ديكتاتوري أو ديمقراطي؟
- من يدقق النظر في المسيرة الموجهة إلى أهله لتقتيلهم أو جرحهم أو تشريدهم هل هي محلية الصنع أم أجنبية؟
- من مازال بعد الإبادة الجماعية الذي يتعرض لها المدنيون في الضفة الغربية يؤمن بسرديات الدفاع عن النفس بعد سابع أكتوبر والمظلومية التاريخية التي يستعملها النظام الصهيوني منذ “إغزوديس- 1947 (Exodus-1947) كذريعة للاحتلال والترحيل والتقتيل والاستبداد والترهيب؟
- هل من مؤمن حر (مسيحي، مسلم، يهودي أو غيره) وعاقل مازال يؤمن بأن سفك الدماء هو الحل وأن الحرب هي عصا موسى لكل المشاكل البنيوية التي لم يخلقها سوى الجشع والحمق البشريين؟
- هل هناك في “إسرائيل” من يؤمن بأن حل الدولتين الذي أودى بحياة الآلاف، بمن فيهم الموقعين عليه إسحاق رابين وياسر عرفات، ليس على الأقل وقفا لنزيف استمر لأجيال، أو حتى استراحة محارب؟
- هل هناك حكماء يثقون في تحالف عالمي وجهوي ومحلي مكون من رأسمال جشع مشبوه ويمين متطرف ومتدينين إرهابيين (نعم أقولها وأتحمل مسؤوليتي فيما ينطق به لساني)، مهما كان دينهم يؤولون كتبهم المقدسة على هواهم ويُشَرِّعون لسموهم على باقي الخلق ولدونية الآخرين أو كل من خالفهم الرأي؟
- كيف يعقل أن الجيش الذي “لا يقهر” والمخابرات التي “تتحكم” في العالم يطالبان الآن الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها حلفاؤها من القارة العجوز (أوروبا) بالتدخل لحماية “دولتهم المدللة” ضد “الصواريخ والمسيرات الإيرانية” التي صنعت “بدائيا” تحت حصار دولي استمر لعقود، ومن طرف دولة تنازلت بهدف ما يسمى “السلام” إلى حد القبول بميزان الكيل بمكيالين كما أراده “الكيان” ومن معه فيما يتعلق بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي تشرف عليها بلا فخر، علنيا وأحيانا في الكواليس، دولة ألقت أول قنبلتين ذريتين في تاريخ البشرية على اليابان انتقاما لبورل هاربور(وهي للتذكير عملية مقاومة انتحارية قام بها طيارون يابانيون كاميكاز بعد نفاذ طائراتهم من الذخيرة على حاملة طائرات أمريكية) !؟
- أليس جيش الاحتلال ومعه مخابراته العسكرية و”الموساد”، المحزمين برئيس وزرائهم “نتن يا هوه” الذي سيفعل أي شيء حتى لا يدخل السجن (بسبب متابعاته المتعددة في بلاده بسبب جرائم تنسب إلى الحق العام أكثر من انتسابها إلى السياسة، مثله مثل زميله في “المحنة” ترمب)، ” فران وقاد بحومة” كما نقول نحن المغاربة؟
- ما هو دور منظمة الأمم المتحدة في حل النزاعات قبل أن تتحول إلى حروب؟ أو ليس من الأفضل حلها في إطار ترشيد النفقات بما أن كل ما يريده كل “معتوه” تسلط على شعبه وعلى البشرية هو ما يحدث بالفعل، وبلا نفاق أو محاولة منه للتغرير بالقاصرين وقصار النظر الذين صوتوا عليه (وأنا منهم، أقصد قصار النظر العضوي وليس الاستراتيجي)؟
- هل يفيد الغرب الآن بعد اشتعال الحرب بين إيران (وهي دولة عظمى بتاريخها وجغرافيتها شئنا أم أبينا) وبين “محظيته إسرائيل” أن يجمل صورته بكلمات مثل “الحضارة” و”الديمقراطية”، وحتى الخطاب الديني المتفوق في إلصاق الألقاب، مثل “محور الشر” بعد 11/9 والشيطان المتجسد في الآخر “الشرير المتخلف، الوثني الأسود، الأسمر المسلم، المرأة أصل الخطيئة الأولى، المقاوم المدافع عن أرضه وعرضه الإرهابي…إلى غيرها من الصور النمطية المبكية والمضحكة في آن، والفاشل في رؤية وجهه الحقيقي في المرآة، حتى وإن كان أعمى، دون أن يرى وحشيته والدمار الشامل والجثث من العزل والأطفال والرضع المتساقطة أمامه؟
- نعم، تتحكمون في السردية وتكتبون التاريخ الذي يغسل جرائمكم القديمة والجديدة إلى درجة غسيل دماغ أغلبيتنا وأبنائنا وأحفادنا عبر ثقافتكم الاستهلاكية السائدة، لكن ألم تتعلموا من “أيديولوجياتكم الرجعية” و”تدينكم المحافظ والمنافق” أن التغيير سنة الكون وأن أهل الكهف استيقظوا من سباتهم هم وكلبهم بعد قرون، وأن الغالب اليوم يصير مغلوبا غداً؟