أمام المحكمة الرمزية نساء يصرخن: “باراكا…”

لا تنازل عن قانون أُسَري يضمن المساواة والعدل والكرامة

بسمة نسائية/ عزيزة حلاق

صور: محمد بلميلود

توضيب فيديو الصور: جمال الحزازي

أمام محكمة النساء الرمزية في دورتها 22 نساء يصرخن: “باراكا…”شوفوا من حالتنا… ديروا لينا شي حل…عيينا من الحكرة ”

“ساهمت في بناء المنزل، بعت ذهبي، وسلّمت له ما ادّخرته من خدمتي في البيوت. وحين لجأت إلى المحكمة لمطالبته بحقي بعد الطلاق، لم يسألني أحد عن سنوات العطاء والتضحيات، بل واجهوني بالسؤال: هل لديكِ ما يُثبت ذلك؟ أجبتهم :” لدي فقط أوراق الطلاق وشهادة مرض السكري… هذا هو الإرث الوحيد الذي خرجت به بعد زواج ذقت فيه كل ألوان العنف والإهانة، وكأن الألم لا يكفيه أن يُعاش، بل يُطلب منك أيضاً أن تُوثقه!”

هي حكاية فاطمة من مدينة طنجة (47 سنة) واحدة من الحكايات المؤثرة لنساء حملن ثقل المعاناة في محكمة النساء الرمزية، حيث أدلين بشهاداتهن أحيانًا بوجه مكشوف، أمام الهيئة القضائية التي ترأس جلستها الحاملة لرقم 22 الأستاذ النقيب عزيز رويبح.

نادية ( 22 سنة)

تزاد عندي ولد من علاقة خارج مؤسسة الزواج، فعمره اليوم ثلاث سنوات. كنت صغيرة، وحبيت شاب وعدني بالزواج. منين عرفني حاملة، نكرني وقطع الاتصال بي. اضطريت نخرج من منزل الأسرة، ولجأت إلى جمعية التضامن النسوي (جمعية الراحلة عائشة الشنا للأمهات العازبات). كذبت على عائلتي وقلت ليهم كنخدم في كازا، ومنين كنتوحشهم كنمشي عندهم بلا ولدي.

ولدي اليوم فالكناش باسم أب افتراضي، رغم أن والده الحقيقي موجود. منين وقع لي الواقع، خفت نتقدم بشكاية، لأنهم غادي يطلبو لي صور الخطوبة أو الشهود، وأنا ما عندي حتى حاجة، وخفت يعتاقلوني بتهمة الفساد، كما وقع لفتيات أتقاسم معهن اليوم فضاء الجمعية.

أطالب فقط من محكمتكم مساعدتي لإنجاز الخبرة الجينية لإثبات نسب ابني لأبيه. لا أطلب لا نفقة ولا والة، فقط ورقة اعتراف بنسب ابني لأبيه، وندخلو يقرا في المدرسة وراسي مرفوع، ونحميه من نظرة المجتمع اللي غادي تلاحقه مستقبلا”… عفاكم شوفو من حالتي… وديروا لينا شي حل؟

قصص موجعة لواقع جائر، مأساة تجرّ أخرى. وقصة تنسيك في أخرى كما يقال. نساء طحنهن الزمن، وسُحقن بين شراسة المجتمع وتواطؤ القانون. شهادات تفضح حجم الظلم، وتكشف فشل التعديلات الحكومية في ملامسة جوهر القضايا الحقيقية، من الولاية إلى اقتسام الممتلكات في حالة الطلاق، ومن حرمان الأمهات والأطفال من إثبات النسب بالخبرة الجينية، إلى ثغرات أخرى عمّقت الألم بدل أن تخفف منه. كل هذا حضر بقوة في محكمة اتحاد العمل النسائي، حيث تحوّل البوح إلى إدانة صريحة لنظام لا ينصف النساء.

جرى ذلك يوم السبت 10 ماي 2025، بالمركب الثقافي لهيئة المحامين بالرباط،

الذي شكّل فضاءً رمزيًا لمنصة جريئة، عقدها اتحاد العمل النسائي في إطار تقليده السنوي، لكسر الصمت، وكشف المستور، وتسليط الضوء على واقع نساء وأطفال عالقين بين سندان سلطة أبوية صارمة ومطرقة نصوص قانونية عاجزة عن حمايتهم.

وطرحن قضايا مختلفة على المحكمة سمتها المشتركة الإحساس بالحكرة والدونية والتنكر لأدوارهن ومساهمتهن في اقتصاد اسرهن ورفاهيتها، والأكثر من ذلك حرمانهن حتى من الحق في اتخاد أبسط قرار يخص ابناءهن في حالة النزاع مع الزوج او في حالة الطلاق، إضافة الى معاناة النساء للوصول الى الحق في الإرث حتى ما قل منه، ومن بين القضايا التي طرحت على المحكمة ايضا قضية الأطفال المزدادين خارج إطار الزواج ومعاناتهم مع تنكر الآباء لهم والوصم الذي يلاحقهم طيلة حياتهم بسبب ذلك، في ظل الاستمرار في رفض اعتماد الخبرة الجينية للحوق نسبهملقد كانت لحظة الاستماع إلى هذه الشهادات المؤثرة بمثابة مرآة صادمة تعكس الوجه الخفي لمجتمع بطريكي، ما تزال السلطة فيه متمركزة في يد الذكور، حيث تدفع النساء والأطفال ثمن اختلال التوازن بين الواقع الاجتماعي والقوانين المفترض أن تنصفهم. شهادات عرّت القهر، وكشفت كيف تُستعمل القوامة كأداة للهيمنة بدل أن تكون مسؤولية، وكيف تتحول الفجوات القانونية إلى منافذ يستبيح من خلالها البعض حقوق النساء والأطفال بلا رادع.

وما كان لهذا الوضع أن يستشري، لولا نقاط الضعف التي تعتري الترسانة القانونية، وفي مقدمتها مدونة الأسرة، التي رغم الإصلاحات التي طالتها، ما تزال تتضمن ثغرات تُبقي النساء في موقع هش، وتجعل الأطفال أولى ضحايا التفكك والعنف والاستغلال.

نساء قدمن من مختلف مناطق المملكة، يمثلن كل الفئات الاجتماعية والثقافية والعمرية: أطر عليا، ربات بيوت، مستخدمات، وعاطلات عن العمل، يشتركن جميعًا في المعاناة نفسها. كانت لهن الجرأة المطلوبة ليصرخن بكل ما أوتين من قوة: “باراكا… عيينا… شوفوا من حالتنا… ديروا لينا شي حل…”

وهكذا تحولت المحكمة الرمزية، خلال هذه الدورة، إلى محفل للمساءلة المدنية؛ حيث لم تقتصر على التشخيص، بل فتحت المجال أمام تدخلات الخبراء والخبيرات، ودفعت بالمرافعات نحو المطالبة بإصلاح جذري، يقطع مع أنصاف الحلول، ويؤسس لقانون أُسَري يرتكز على المساواة الفعلية، والعدل الحقيقي، وصون الكرامة الإنسانية دون تمييز.

هيئة الخبراء زكّت، في مداخلاتها، ما جاء في تقرير اتحاد العمل النسائي بخصوص التعديلات المقترحة في مدونة الأسرة، معتبرة أنها تعديلات جزئية وانتقائية لا تستجيب لمطلب التغيير الشامل والعميق الذي رفعته الحركة النسائية عمومًا، حيث تم رفض إلغاء التعصيب، والأخذ بالخبرة الجينية كأساس لإثبات لحوق النسب.

تقرير الاتحاد، الذي سجّل إيجابيًا مقترح تثمين العمل المنزلي باعتباره أحد مطالب الحركة النسائية، اعتبر أن الصيغة المعلنة لا تأخذ بالاعتبار المساهمة المادية للنساء خارج العمل المنزلي.

كما أن مقترح جعل النفقة على الزوج وحده يُحيلنا على مبدأ “النفقة مقابل الطاعة” الذي تم القطع معه منذ سنة 2004، بالنص على المسؤولية المشتركة للزوجين في تدبير كل شؤون الأسرة. وينطبق الأمر نفسه على مسألة النيابة القانونية، التي ستظل حقًا حصريًا للأب، لأن مقترح النيابة القانونية المشتركة في حالة الطلاق، بدل ربطها بالحضانة، سيُبقي الأمر على ما هو عليه، ولن يحل الإشكالات المتعددة التي تواجه الأم الحاضنة وأطفالها

ونفس الشيء ينطبق على منظومة المواريث، حيث لم يتم اقتراح تغييرات جوهرية عليها، ما سيكرّس دورها الأساسي في تفقير النساء، والحيلولة دون تمكينهن اقتصاديًا واجتماعيًا، وتعميق الفوارق على أساس النوع الاجتماعي.

 وبعد الاستماع إلى الشهادات، ومداخلات هيئة الخبراء، ومرافعات هيئة الدفاع، اختلت هيئة المحكمة للتداول في المطالب التي رفعت لها. وفي انتظار التوصل بنسخة كاملة للحكم نتقاسم  معكم/ن منطوق الحكم الذي تلاه السيد الرئيس عزيز رويبح أمام الحضور الذي خُصّت به قاعة المحكمة.

في الشكل:

حيث أن المطالب المقدمة للمحكمة مستوفية لكل الشروط الشكلية، وقدمت وفقا للقانون فإن المحكمة تصرح بقبول الدعوى شكلا.

في الموضوع:

بناء على ما بسطته المدعيات في طلباتهن، وبناء على مرافعات الدفاع، واستنادا الى تقارير الخبيرات والخبراء وكل ما سبق بيانه أعلاه أصدرت محكمة النساء في دورتها الثانية العشرين حكمها وفقا ما يلي:

–      القول والحكم بأن التغيير الشامل والجذري لمدونة الأسرة وتحقيق ملاءمتها مع الدستور ومع المواثيق الدولية هو الحل لإقرار المساواة الفعلية بين الجنسين، والاعتراف للنساء بمواطنتهن الكاملة.

–      اعتماد الاجتهاد البناء لوضع مدونة تستجيب للتحولات السوسيوثقافية التي شهدتها البنى الاجتماعية عموما والاسرية خصوصا والأدوار الجديدة للنساء مما يقتضي:

–      اعتماد سن 18 كقاعدة عامة لأهلية الزواج والقطع مع الاستثناءات في هذا الباب وفقا لاتفاقية حقوق الطفل،

–      اعتبار الولاية على الأبناء مشتركة على قدم المساواة بين الأب والأم واسنادها للطرف الحاضن في حالة الطلاق

–      توحيد مسطرة انحلال الزوجية والاقتصار على مسطرة الطلاق الاتفاقي ومسطرة الطلاق بطلب أحد الزوجين، مع الإبقاء على جعل الطلاق تحت مراقبة القضاء لما يشكله من حماية لطرفي العلاقة ولمصالح وحقوق الأبناء بما فيه الطلاق الاتفاقي

–      تعزيز مسطرة الصلح والوساطة لفض النزاعات الأسرية وضمان التكوين اللازم في تقنياتها، والاستعانة بالمتخصصين النفسانيين والاجتماعيين لإعداد تقارير حول أسباب النزاع   ووضعية الأطفال للاستعانة بها قضائيا

–      اشتراط ابرام عقد لتحديد طريقة تدبير الأموال المكتسبة بالموازاة مع عقد الزواج وجعله من ضمن الوثائق التي يجب ان يتضمنها ملف الزواج،

–      وضع حد لتعدد الزواجات لما يمثله من تمييز في حق النساء ومن هدر لكرامتهن وحقوقهن وحقوق ابنائهن ولما يترتب عنه من مآس اجتماعية وتفكك للأسر

–      إعادة النظر في أسس فرض النفقة اعتبارا لأدوار النساء داخل الأسرة التي تتجاوز الرعاية الى تحمل الأعباء المالية أو المساهمة فيها، وكذا في مشتملات النفقة لتتوافق مع تطور احتياجات الأسرة التي تتجاوز الغداء والكسوة والعلاج، مع ضرورة وضع معايير دقيقة لاحتساب النفقة لضمان المساواة أمام القانون،

–      إلزام الزوجين بالإدلاء بما يفيد دخلهما أو عملهما عند الزواج وتكون هذه الوثائق من ضمن وثائق ملف الزواج تحقيقا للشفافية والوضوح بين الزوجين،

–      الغاء أداء اليمين كوسيلة لإثبات الانفاق

–      وضع آليات لتسهيل تنفيذ أحكام النفقة وضمان استمراريتها

–      ضمان حق النسب والبنوة للأطفال المزدادين خارج إطار الزواج باعتباره حقا من الحقوق الأساسية للطفل والنص صراحة على اعتماد الخبرة الجينة لإثبات نسبة الأبناء لآبائهم

–      إعادة النظر في نظام المواريث بما يحقق المساواة والعدل بين النساء والرجال ويضمن تمكين النساء وولوجهن الى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وخاصة حقوقهن المشروعة في الملكية العقارية والموارد دون حيف أو تمييز.

–      اعداد محاكم اسرة مستقلة

–      وضع إجراءات مسطرية خاصة بقضايا الاسرة تراعي طبيعة هذه القضايا

–      اعتماد لغة قانونية حديثة غير تمييزية،

–      اعتماد اللغة الامازيغية كلغة للتقاضي لضمان المساوات بين المواطنين والمواطنات في الولوج للعدالة

حرر بالرباط في 10/5/2025

Exit mobile version