ماذا لو عاد السردين إلى رشده؟

حديث بسمة/ عزيزة حلاق

ماذا لو عاد السردين إلى رشده؟

عنوان مثير استعرته من إحدى تدوينات الصديق الكاتب الساخر عبد العزيز العبدي، جملة قصيرة تجسد عبثية الواقع وكأن “الرشد” بات أمرًا غير متوقع أو مستحيلًا.

تدوينة العبدي جاءت تعليقًا على الضجة التي أثارها عبد الإله، الشاب المغربي بائع السمك في مراكش، والذي قلب الطاولة على موازين السوق بكشفه عن الحقيقة الصادمة وراء ارتفاع أسعار السردين. فمن الميناء، يخرج بثمن لا يتجاوز 3 دراهم، لكنه يصل إلى المواطن بـ 15 أو 20 درهمًا، بل وقد يتجاوز 30 درهمًا خلال شهر رمضان. تصريحاته  أكدها خبراء في المجال، فتحت أعين المواطنين على آليات التحكم في الأسعار، وأثارت نقاشًا واسعًا حول الاحتكار وجشع الوسطاء.

في زمن باتت فيه القدرة الشرائية للمواطن المغربي تتآكل تحت وطأة الغلاء الفاحش، لم يكن أحد يتوقع أن يكون بائع سمك بسيط هو الشرارة التي تُشعل نقاشًا واسعًا حول العدل الاقتصادي والاحتكار والجشع. لم يرتكب الشاب أي جريمة سوى أنه قرر بيع السردين السمك الوحيد الذي ما زال الفقراء “قادرين” على شرائه – ب 5 دراهم، سعر أقل مما اعتاد عليه السوق- ليجد نفسه في قلب عاصفة اجتماعية واقتصادية وسياسية غير متوقعة.

ما إن انتشرت أخبار مبادرته حتى توافد عليه المواطنون، مُرحّبين بفكرته وداعمين خطوته الجريئة في خفض أثمان السمك بمختلف أنواعها، خاصة السردين،  كادت أن تزعج “الشناقة” ولوبيات السوق. لكن بدلًا من أن يُكافأ على محاولته تخفيف العبء عن البسطاء، تفاجأ بإغلاق محله من قبل السلطات، بحجة عدم التزامه بالإجراءات المعمول بها، في خطوة اعتبرها الرأي العام عقابا مقنعا لحراكه غير المقصود.

إلا أن الأمور لم تتوقف هنا، فالغضب الشعبي انتشر بسرعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتعالت الأصوات المطالبة بمقاطعة السمك، بل وكل المواد التي ارتفعت أسعارها بشكل غير مبرر. وتحت الضغط، تغيرت المعادلة فجأة: أُعيد فتح محل الشاب، واستقبله والي المدينة بحفاوة، فعاد إلى حيه وسط زغاريد وهتافات احتفالية، محمولًا على أكتاف سكان منطقته ونشطاء الفضاء الأزرق الذين رأوا فيه بطلًا شعبيًا تجرأ على كسر جدار الصمت والخوف. وفي لحظة استثنائية، تحررت الحناجر وارتفع صوت المواطن مدوّيا في وجه الغلاء والظلم والحكرة: “اللهم إن هذا منكر!”

ماذا لو تكررت التجربة؟

هذا الحدث طرح نقاشا واسعا وسط المواطنين وفي الأوساط الشعبية بالخصوص و بين زواد مواقع التواصل وكان التساؤل الجوهري: ماذا لو اتبع المواطنون النهج نفسه تجاه باقي المنتجات التي أصبحت بعيدة المنال بسبب الجشع؟ ماذا لو قاطع المستهلكون بشكل جماعي السلع التي تفوق أسعارها قدرتهم الشرائية؟ هل كان المسؤولون والتجار سينتبهون أن الشعب لم يعد مستعدًا للصمت على هذا الإثراء الفاحش على حساب معاناته؟

لقد أثبت هذا الشاب أن أي حركة، مهما بدت بسيطة، قادرة على إحداث تغيير، ولو بشكل غير مباشر. وربما تكون هذه الحادثة بمثابة إنذار بأن المواطن المغربي، الذي تحمل لسنوات تبعات الأزمة الاقتصادية، وتبريرات كل ذلك بالقول ” الشتا ما صباتش”، بدأ يدرك قوته الحقيقية في التأثير على المعادلة الاقتصادية، وأن عصر الاستسلام قد اقترب من نهايته، وبات هناك خياران لا ثالث لهما: إما أن يعود “الحوت الكبير” إلى رشده، أو أن يضطر المغاربة لإعادته مكرهاً بحملة مقاطعة السمك. وهاشتاغ “خليه يخناز”…

 

 

Exit mobile version