بقلم: محمد نجيب كومينة
سقط طاغية وجد نفسه يتولى قيادة سوريا بعد وفاة أبيه وأخيه باسل الذي كان مفضل أبيه، وسقط معه نظام انتمى إلى طائفته أكثر مما انتمى إلى الوطن، رغم شعاراته القومية الموروثة عن فكر بعثي لم يستطع التلاؤم مع عالم تغير، وعقد تحالفات طائفية مع ملالي إيران مند الحرب العراقية-الإيرانية..
وأصبح بعد ذلك امتدادا للهلال الشيعي في الشرق الاوسط دفاعا عن بقائه واستمراره أكثر من أي شيء آخر، إذ كان دوره في دعم حزب الله كتنظيم وظيفي لإيران ولاية الفقيه سابقا ولاحقا بعيدا عن حدوده التي بقيت آمنة بالنسبة لإسرائيل، منخرطا في الحسابات الاقليمية الايرانية أكثر من حسابات سوريا، كوطن، أو الحسابات العربية، التي تتصدرها القضية الفلسطينية كقضية وطنية للشعب الفلسطيني وقضية عربية، وفي المقابل، كان دعم حزب الله وايران للأسد خلال الحرب الاهلية والاقليمية والدولية التي دارت رحاها في سوريا دعما لنظام الطائفة ودفاعا عن الاستراتيجية الاقليمية لإيران، أكثر مما كان دعما لفلسطين وقضية الشعب الفلسطيني، الذي كان ضحية لتلك الاستراتيجية وليس العكس كما يروج، وذلك في مواجهة الاستراتيجيات المتقاطعة في العمق لدولة الاحتلال وتركيا والولايات المتحدة والدول الاوروبية المؤثرة التي سعت جميعها إلى صياغة الوضع الاقليمي الذي يلائم مصالحها ونفوذها..
ومن تمة وضع حد للغلو الايراني الذي أخذ أبعادا لا يمكن لها التعايش معها أو التغاضي عنها، خصوصا بعد النتائج الكارثية لغزو العراق، وإلا صار الشرق الاوسط، بما فيه دول الخليج العربي الفارسي واليمن وقربها الدول الافريقية العربية، مجالا للنفوذ الايراني أو الاقتتال الطائفي و مصدر خطورة عالميا.
الموقع الذي وضع فيه نظام الأسد نفسه ووضع فيه سوريا ما كان ليخدمه أو يخدم مصالح سوريا على المدى البعيد، وسياسة الطغيان التي اعتمدها ما كانت لتبني توازنات داخلية تقوي الجبهة الداخلية بترسيخ الشعور بالانتماء المشترك لوطن وضمان عيش مشترك يقوم على المواطنة. لذلك بقي الانتماء الطائفي محددا للهوية والانتماء أكثر من الوطن، ومن زار دمشق أو أي منطقة اخرى من سوريا لن تفوته ملاحظة ذلك، فالمسافة الفاصلة بين محطة الحجاز في قلب دمشق والسيدة زينب مسافة بين السنة والمسيحيين وغيرهم وبين الشيعة التابعين للاثني عشرية ولإيران، ولذلك حدث بسوريا ما حدث بعد اندلاع ما سمي ب “الربيع العربي” وتم اللجوء إلى العنف والقتال بسرعة من طرف النظام والاخوان المسلمين على حد سواء، واستمر ذلك إلى اليوم مدفوعا بتدخلات خارجية إسرائيلية وتركية وقطرية وامريكية وبريطانية وفرنسية وغيرها.
من انتصر في النهاية، هو جناح الاخوان المسلمين، ممثلا بهيئة تحرير الشام (الاسم المستعار لجبهة النصرة)، التي ولدت من رحم. القاعدة (الجولاني انتمى إلى القاعدة وداعش، قبل العودة الى كنف الاخوان وتركيا والمال القطري)..
واعتبارا لثقافته وارتباطه العضوي بتركيا، فإنه سرعان ما سيكشف عن وجهه الحقيقي، كما فعل اخوان مصر، بل وأكثر، نظرا للوضعية الطائفية في سوريا وجوارها، حيث يمكن أن يستند إلى الاغلبية السنية لممارسة الانتقام من الطائفة العلوية (الاسماعيلية التي تستوطن اغلبيتها جنوب تركيا)، ومن الشيعة المرتبطين بشيعة العراق وبولاية الفقيه بإيران. وأيضا الى تركيا التي. تخوض صراع نفوذ اقليمي من منطلق قومي واخواني. والاخوان كما هو معروف كانوا رد فعل على سقوط الخلافة العثمانية. وتعتبر سوريا استراتيجية بالنسبة لأمنها ووحدة ترابها ونفوذها في. مواجهة الخصم والمنافس الايراني وأيضا الإسرائيلي، و هذا ما يجعل سوريا مفتوحة على الأسوأ، وعلى اللاستقرار والدم، بعد نشوة سقوط الطاغية.
من خسر بسقوط الاسد هي ايران، وهي الخسارة التالية لخسارة حزب الله التي تتضاعف اليوم بفقدان حليف أساسي، و هما خسارتان استراتيجيتان، لان ايران قامت بأضخم استثماراتها الاستراتيجية في حزب الله وسوريا كي تحوز العراق وتراقب من خلاله جوارها الخليجي وتؤمن حدودها وتحتفظ على الهلال الشيعي تحت جبتها.
في هذه الظروف يجب العمل، وأكثر من أي وقت مضى، لحماية القضية الفلسطينية من أن تضيع “تحت الرجلين”، ولتسريع إقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة وعاصمتها القدس. وهذا ما لن يتحقق بالحرب، وإنما بالديبلوماسية. والتحرك العقلاني تجاه الدول وأيضا المجتمعات المدنية التي ناهضت الابادة الجماعية لجيش الاحتلال ضد الفلسطينيين، وباتت واعية بالقضية الفلسطينية، مما اكسبها بعدا انسانيا.
وهناك مؤشرات على أن المجرم نتانياهو سيكون من الساقطين في القريب، فقرار المحكمة الجنائية الدولية بمتابعته لم يأت من فراغ.