إصلاح الجامعة المغربية… المراحيض أولاً!

حديث الأربعاء

بقلم: عبد الرفيع حمضي

في خضم النقاش حول إصلاح التعليم العالي بالمغرب، غالبًا ما تتوجه الأنظار إلى البرامج والمناهج، وإلى الرقمنة وربط الجامعة بسوق الشغل، وإلى البحث العلمي والتمويل والتصنيفات الدولية. لكن وسط هذا الزخم، تغيب أحيانًا الأساسيات المادية والبشرية، أي تلك الحاجات التي تشكّل الأرضية الحقيقية لأي إصلاح. فهل يمكن فعلاً تطوير الجامعة المغربية، بينما تعاني بعض مؤسساتها من غياب مراحيض صالحة للاستعمال؟ وهل يجوز أن نتحدث عن كرامة الطالب والطالبة، بينما يغيب الحد الأدنى من شروط النظافة والسلامة والخصوصية داخل الحرم الجامعي؟

الأمر لا يتعلق هنا بتفصيل بسيط أو حالة معزولة، بل بإشكالية بنيوية ومزمنة، مسكوت عنها أحيانًا، ومُحرَج من طرحها أحيانًا أخرى. لكن الواقع يفرض نفسه بقوة: الجامعة المغربية، التي تضم أكثر من مليون ومئتي ألف طالب وطالبة، منها 55% فتيات، تشهد في عدد من كلياتها نقصًا خطيرًا في المرافق الصحية، سواء من حيث العدد أو الصيانة أو النظافة، خصوصًا فيما يتعلق بالفتيات.

في لقاء شبابي نُظم مؤخرًا، وقفت طالبة وقالت بجرأة:

“أتحدث باسم كل فتيات هذه الجامعة. المراحيض إشكالية حقيقية. نحن نعاني يوميًا، ويصعب متابعة دراستنا في هذه الظروف.”

تصريح بسيط في صيغته، لكنه بالغ الدلالة. فحين تصبح الطالبة مضطرة للتحدث بصوت مرتفع عن غياب المرحاض – مع ماله من حميمية وخصوصية عند المغاربة إلى درجة أنهم يطلقون عليه “دار الوضوء” – فهذا دليل على أن الخلل لم يعد تفصيلاً، بل عتبة كرامة.

لقد سبق لمؤسسة محمد الخامس للتضامن أن وقفت على هذه الإشكالية في العالم القروي، حين لاحظت أن غياب المراحيض في المدارس يشكل سببًا رئيسًا لانقطاع الفتيات عن الدراسة. هذا الارتباط بين البنية التحتية والحق في التعليم هو ما يدفعنا اليوم إلى مساءلة الجامعة على نفس الأساس.

وهنا يجدر التوقف عند بُعد معرفي، فميشال فوكو قال مرة: “الهندسة المعمارية جزء من السلطة”. بمعنى أن الفضاءات التي تصممها الإدارة ليست محايدة، بل تعكس نظرتها للمواطن: هل تراه كجسم له حاجات؟ كإنسان يستحق الخصوصية؟ ككائن له كرامة؟ أم ماذا؟ وبالتالي، فالمراحيض، في هذا السياق، ليست مرفقًا جانبيًا، بل مرآة ملموسة لعلاقة الإدارة بمواطنيها، ولحدود احترامها لحاجاتهم الجسدية والحميمية.

وليس هذا الوعي نظريًا فقط، بل تُرجم في دول مثل الهند، التي أطلقت في السنوات الأخيرة برنامجًا ضخمًا تحت عنوان “Clean India Mission”، وكان من أبرز أهدافه بناء ملايين المراحيض في القرى والمناطق الفقيرة. أدركت الدولة الهندية أن الكرامة تبدأ من البنية التحتية، وأن الحق في التعلم والعمل والصحة لا ينفصل عن الحق في النظافة والخصوصية، خصوصًا بالنسبة للفتيات.

Exit mobile version