“الثلث الخالي”جرعة دواء من يد فوزي بنسعيدي

بسمة نسائية/ ثقافة وفنون/ سينما

بقلم: الناقد فؤاد زويريق

وختامه مسك، هكذا عرض قبل قليل آخر فيلم روائي طويل مبرمج ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني بطنجة، وهو فيلم ”الثلث الخالي” للمخرج فوزي بنسعيدي، سبق لي مشاهدته أثناء عرضه في مهرجان الفيلم العربي بروتردام، وقد استمتعت شخصيا بمشاهدته كباقي أغلب أفلام فوزي بنسعيدي، يعتبر فيلم ”الثلث الخالي” هو أحدث أعماله، ويشكل استمرارية للرؤية والاسلوب الذي تميز بهما لا من حيث اللغة السينمائية المستعملة بجماليتها البصرية، ولا من حيث المعالجة الفكرية والاجتماعية… وطرح الإشكاليات المتجذرة في المجتمع المغربي من خلال مواقف وأحداث متداخلة تتراوح بين الكوميديا والتراجيديا، والجميل لدى فوزي بنسعيدي في هذا الفيلم أنه وفق كما دائما في الإبتعاد عن الملامح المبهمة للبناء السردي، ونجح في الإقتراب من المتلقي رغم تكتل الإيحاءات والإشارات الرمزية في بعض المشاهد، إلا أنها تبقى رموزا قابلة للحل والتفكيك بسهولة، مما يعطي المُشاهد القدرة على المتابعة السلسة والتفاعل المباشر مع أحداث الفيلم.

مهدي وحميد يشتغلان في وكالة خاصة بالقروض، ينطلقان في الصحراء والخلاء من قرية الى قرية لاسترداد القروض المتراكمة لوكالتهما التي لم يسددها القرويون، أولئك الذين يعانون الفقر والحرمان، من قرية الى قرية حيث الجفاف والعوز، ومن موقف الى موقف نستكشف بل نغوص بأسلوب ذكي داخل مشاكل مجتمع بأكمله، مجتمع آخر، هامشي، غير مرئي، مرمي هناك في الثلث الخالي، وما العنوان هنا سوى رمز لهذا المغرب غير النافع، الذي تتميز مشاكله وإرهاصاته وهواجسه حسب الفيلم بالسذاجة والعبث والسطحية في بعض الأحيان، لكنها بالنسبة لأصحابها هي مشاكل مصيرية قد تترتب عليها نتائج خطيرة وتراجيدية، الفيلم يستحق المشاهدة، بل ويستحق تناوله كجرعة دواء من يد فوزي بنسعيدي، خصوصا في هذه الأيام العصيبة حيث كثر الداء السينمائي ببلادنا في غياب شبه تام للدواء،

الجميل في الفيلم أنه اعتمد في الأغلب الأعم على اللقطات البعيدة لأنه غير معني بالتركيز على الشخوص، بقدرما حاول إقحامنا في البيئة العامة التي شكلت هذه الشخوص، فالفضاء الشاسع المقفر هو المكون الأساسي للعمل، حيث تتلاشى الصراعات الإنسانية مهما كبر حجمها… التشخيص كان مميزا، وإدارة الممثل والتحكم في كل فعل ورد الفعل كانت واضحة، خصوصا لدى وجوه -أظن من السكان المحليين- أول مرة يقفون أمام الكاميرا، أما بطلا الفيلم الفنانان عبد الهادي طالب، وفهد بنشمسي فقد كان متميزان للغاية وكل واحد منهما يكمل الآخر، وأعطوا للعمل نكهة خاصة. الفيلم باختصار جميل وممتع ومنفتح على مختلف القراءات.

كل تجربة مغربية تحمل نقطة ضوء تلزمنا بشكر أصحابها والتصفيق لهم لأنهم أمتعونا أولا ولأنهم، وهذا هو الأهم، حققوا للتجربة السينمائية المغربية إضافة تحسب لهم.

Exit mobile version