بسمة نسائية/ منبر بسمة
بقلم: عبد الرفيع حمضي
في نهاية كل أسبوع إمّا يوم السبت أو الأحد وطبعا ، -ما لم أكن في مهمة داخل الوطن أو خارجه، أو يكون المانع خيرا ،في مسارات الحياة -عادة ما أواظب على القيام بجولة صباحية “بالمدينة القديمة “ بالرباط انطلاقا من ساحة “باب الأحد ” داخل السور الموحدي الذي بني عام 1197 في عهد الخليفة ابو يوسف يعقوب المنصور ، والذي يبلغ طوله أكثر من 5.2 كم، ويحيط بمساحة تبلغ حوالي 450 هكتارًا. متوسط سُمْكِ السور 2.37 مترًا ويتراوح ارتفاعه ما بين 7.55 و10.31 مترًا. وقد تم تدمير الطرف الشرقي للوجه الجنوبي من السياج، أثناء تطوير المدينة الجديدة في بداية القرن العشرين.
مع الاشارة ان المدينة العتيقة سجلت في سنة 2012،ضمن قائمة التراث العالمي بقرار من اليونسكو .
وهكذا تمتد بي الجولة إلى السويقة ، وسيدي فاتح ،وسوق السباط ،وشارع القناصل ..
حيث أصادف التجار وهم يستعدون لفتح متاجرهم استعدادا ليوم جديد .فهذا يكنس والآخر يرش الماء …وكل ذلك على أصوات مقرئين غالبهم وهابيون مشارقة. فأتأسف على متعة القراءة المغربية ،بصوت المرحومين الفقيه عبد الحميد أحساين مؤسس ،مدرسة القراءة والتجويد المغربية والمقرئ الحاج عبد الرحمان بنموسى ، واحسرتاه و الذي كانت التلفزة المغربية تتفتح وتختم إرسالها بايات من القرآن الكريم بصوته .
وحوالي منتصف النهار تكون ساعة استراحة اتاي بالمقهى قد حلت .أتاي منعنع في قهوة شعبية . شعبية بتجهيزاتها ومظهر روادها. لكنها راقية بجودة مشروبها السحري (أتاي بالتخليطة )لتبقى الأغنية الشعبية سيدة المكان .فكان من نصيبي هذا الصباح أغنية (هاكا عاجبني راسي .. هاكا حابوني ناسي ) وهي أغنية تكتسح الفضاء العمومي منذ مدة .وما أعتقد أن هناك مناسبة اجتماعية الآن ،سواء عند المغاربة الذين يسكنون المغرب ،أو المغاربة الذين يسكنهم المغرب ،لا يرقصون او لا تطربهم هذه الأغنية . وطبعا ككل أغاني الفاست فود والتيك توك ، فإن زمنها محدود لتقفز إلى الوجود أغنية اخرى ونغمة جديدة .
فما أن وضع صديقي سي احمد عامل المقهى المعروف بالوزاني ،أتاي المعلوم في كأس (شباري ) على الطاولة حتى قطع علي خلوتي وأنا أستمع لهذا المغني الشاب “زكريا الغافولي” وصوته يخيم على مرافق المقهى ويمتد إلى الشارع العام .حيث كنت أتساءل بداخلي عن سر نجاح هذه الأغنية .هل يعود لإيقاعها الشبابي الخفيف ؟أم لكلماتها ؟ام لهما معا…
فعمدت وجربت تحليل سوريالي مادام اليوم هو يوم ويكاند. فقلت لعل المغاربة عشاق الأغنية ،وجدوا فيها ضالتهم للاعتزاز ،بذاتهم الفردية والجماعية . أليست الأغنية منفذا إجتماعيا لتجاوز ترسبات راسخة في لا وعينا الجمعي والجماعي ،تخنق الفخر والاعتزاز والثقة بداخلنا .فتعيق بذالك الانطلاقة للارحب؟ كما ورد في كتاب “التخلف …مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور” للدكتور مصطفى حجازي ؟ أم هي أغنية ،من صنف ما قاله أحد الظرفاء “”أن الحيوان الوحيد الذي لم تكن تعجبه نفسه ولا يعتز بها هو الديناصور. ولهذا السبب اندثر منذ 25 مليون سنة. ” أم هي أغنية من صنف مايردده اهل الكنانة “مصر أم الدنيا ” ؟او ما روجت له وزارة السياحة المغربية في مرحلة معينة بإشهار ملأ الدنيا ولم يعطي نتيجة “المغرب أحسن بلد في العالم”.
تركت هذه الأسئلة وعدت إلى صوابي وأنا المصر على أن يكون هذا الموعد بهذه المقهى موعد مع “راسي” ولا غير .وبالتالي فلا علاقة له بأغنية “عاجبني راسي” .
هنا اختليت مع نفسي بهدوء ظاهري وغليان داخلي ، -اصبح يخف مع الأيام – لأسترجع اسبوعاً أو شهرا من الحركة .(وسير واجي ) (ودير هادي وخلي هاديك )..
ماذا حصل ؟وماذا وقع بالعمل ؟بالمنزل ؟بالجمعية ؟وفضاءات اخرى ؟ اين الجميل فيها؟ أو ،الأقل جمالا؟ او السيء فيها علاش لا ؟ ألم يكن هذا التصرف أو ذاك مجانب للصواب ؟هل كان من الضروري ان يحصل ما حصل ؟ ما هو نوع التعليقات التي استمعت إليها ؟وكيف كان ردي عنها أين الخطأ ؟ وأين الصواب ؟
خلال هذا الأسبوع او هذا الشهر حتى .ماذا قرأت ؟وماذا سمعت ؟وماذا شاهدت؟ هل استمتعت بفيلم جيد ؟وأغنية راقية ؟ولوحة عميقة ؟ وكتاب مفيذ ؟ ومشي على البحر وسباحة صحية ؟ ودفئ عائلي ؟ومتعة مهنية؟ ماذا ينتظرني الأسبوع المقبل ؟الشهر المقبل.؟
أصدقكم القول أن عددا من هذه الأسئلة وغيرها كثير ، كنت أتجنب الجواب عليها حتى مع نفسي . -إذا ما ملكت الشجاعة لطرحها بداخلي وسرا -. ولعله في كل لحظة كان يقفز المراقب الداخلي ، او لنقل الوعي الشقي كما استعمله هيجل .ليمنعني من الجواب الصحيح أو على الأقل القريب إلى الصواب.
مانع (الآنا) ، الرجل الإنسان الذي له وضع معين مهنيا وبالتالي إجتماعيا ……لكن مع الزمن اكتشفت أن هذه الخلوة الشخصية التي أقدمت عليها لذاتي ولنفسي في البداية بدون مرجعية معرفية او تأطير مهني . هي في الواقع إحدى القواعد الأساسية للتنمية الذاتية سواء على المستوى المهني أو الأسري أو الشخصي وكتب فيها الشيء الكثير في العالم الغربي ، حتى أن الكاتبة والخبيرة Gill Corkindale المقيمة بلندن كتبت عدة مقالات بالصحف العالمية المتخصصة حول الموضوع كان أهمها Une résolution du novel an :planifiez des réunions régulières avec vous même .
كما أن خبراء جامعة هارفاد Harvard وما أدراك ما هارفاد ،التي تم إحداثها سنة 1636 ب كامبريدج- بوسطن -بالولايات المتحدة الأمريكية ،عندما توافقوا على مجموعة من قواعد التدبير كأسلوب حياة في المنزل والإدارة والمصنع والمجتمع ،وجمعوها وصنفوها في 150 قاعدة ونصيحة (Règle et conseil )
كانت قاعدة “موعد مع نفسي “هي الحادية عشرة..
وهكذا عجبني راسي . فلكم اجر المحاولة..