بسمة نسائية/ منبر بسمة
بقلم الناقد الفني: فؤاد زويريق
في نهاية هذا الموسم الدرامي لا يمكنني إلا أن أختار الفنانة والمشخصة هدى الريحاني كأفضل ممثلة مغربية استمتعت بتشخيصها وأدائها في مسلسل ”بين القصور” لمخرجه هشام الجباري، لا شك أن هناك ممثلات كثيرات في مختلف الأعمال الدرامية المغربية اجتهدن وأبلين البلاء الحسن وقد تابعتهن وذكرت بعضهن في منشورات سابقة، لكن بالنسبة لي هدى الريحاني هذا الموسم أبانت على قدرات كبيرة وحس عالي في فن التشخيص ليس هذا فقط، بل حتى في كيفية تعاملها مع الكاميرا وتطويعها باحترافية لتكون جزءا من كينونة الشخصية نفسها، وكأن الكاميرا تصورها من الداخل وليس من الخارج، فنقل انفعالاتها الداخلية كان سلسا دون تعقيد ودون مبالغة واستجداء حتى في ذروة المواقف العاطفية المؤثرة، أعجبت أيضا بأسلوبها في كيفية ربط جسر متين من فعل ورد فعل بينها وبين باقي الممثلين وخصوصا الشباب… باختصار هدى الريحاني بالنسبة لي كانت نجمة هذا الموسم وقد ساعدها في ذلك طبيعة الشخصية المكتوبة بعناية وأيضا حجم المساحة التي أفردت لها.
قلت ومازلت أقول إن الممثل الناجح لا يقاس فقط بالموهبة وإتقان فن التشخيص، الممثل الناجح يحتاج إلى كاريزما معينة تؤهله لفرض موهبته، فكم من ممثل موهوب ضاع لأنه بدون كاريزما، وكم من ممثل بموهبة مقبولة سطع نجمه لأن حضوره قوي وجاذبيته طاغية، والمخرج الذكي هو الذي يعتمد على صاحب الموهبة والكاريزما معا، وهو على دراية تامة بأن هذا النوع من الممثلين يساعده كثيرا على نجاح عمله، والتغطية على نقط ضعفه إن وُجدت، الممثل صاحب الكاريزما والحضور الطاغي يجذب الانتباه ولو ظهر في مشهد واحد فقط لا غير.
الفنانة هدى الريحاني من هذا النوع الذي يجمع ما بين الموهبة والكاريزما، فهي مُشخصة أكثر منها ممثلة، مشخصة بجناحين تحلق بهما عاليا فوق سموات التشخيص الاحترافي الجميل والممتع، حسنا فعل مخرج مسلسل ”بين لقصور” هشام الجباري، عندما اعتمد على طاقم فني احترافي من بينه هدى الريحاني، هذه الفنانة المبدعة التي أعتبرها من بين أقوى مشخصات هذا الموسم الدرامي، بل من بين الأقوى والأهم على الساحة الفنية، موهبة فنية طاغية، وملامح مرنة طبيعية قادرة على التحول من ملامح طفولية بريئة وطيبة، إلى ملامح جادة وقاسية ومتحجرة، حسب الموقف والحالة طبعا، هي القادرة على استيعاب كل المدارس والتفنن في صياغتها بما يتناسب والشخصية التي ستؤديها، لم أشعر يوما بأن هدى الريحاني نمطية في تشخيصها، ولا حتى في الأدوار التي تؤديها، فهكذا تنقلت من عمل إلى عمل بشخصيات مختلفة ومتعددة، فهدى الريحاني في “البرتقالة المرة” لبشرى إيجورك،
ليست هي في “زمن الرفاق” لمحمد الشريف الطريبق، وليست هي في “عايدة” لإدريس المريني، وليست هي في “خيط الروح” لحكيم بلعباس، كما أنها ليست هي في “دواير الزمان” لفريدة بورقية، ولا هي في أحدث عمل لها ”بين لقصور” لهشام الجباري…
إذا أردتُ أن أقف على تحليل تشخصيها في هذا العمل الأخير، أعني ”بين لقصور”، فيمكنني القول بأنه قد اعتمد حسب تقديري ورؤيتي على مدرستين مختلفتين مدرسة التمثيل المنهجي والمدرسة التقنية، ففي بعض المشاهد والمواقف تجد هذه الأخيرة هي المتحكمة في أدائها، بأسلوبها الكلاسيكي في لغة الجسد، بحركاته وأصواته وتعابيره دون إشراك العامل الانفعالي معه، كمشاهد لها مع لكبيرة/سعدية لديب مثلا، أو مع مرافقتها وردة/فرح الفاسي، حيث تظهر الشخصية خارجية أكثر منها داخلية، ليتحول الأداء فجأة ويصبح منبثقا أكثر من داخل مدرسة التمثيل المنهجي، التي كما يعرف الجميع أسست على يد ستانيسلافسكي، لان طبيعة الموقف والشخص الواقف أمامها والشحنات النفسية المفروضة عليها بسبب ذكريات ما، وتاريخ ما، فرضوا عليها التعمق في عوالم الشخصية الداخلية ونفسيتها واستحضارها من الذاكرة الانفعالية، ويحدث هذا أمام الطبيب/عزيز حطاب الذي كانت تجمعه معها علاقة حب، أو أمام ابنتها عندما تشعر بتهديد ما يتهددها كما وقع في الحلقات الأولى، أو أمام الغندور/ محمد خيي الذي يعشقها… إذاً طبيعة التشخيص هنا تتحول حسب الشخص والموقف والنفسية، وهذا ليس غريبا على مشخصة مثقفة ومجتهدة، لديها تكوين أكاديمي عال، خبرت الركح والسينما والتلفزيون، تجارب متعددة خاضتها هدى الريحاني منذ كانت طالبة الى الآن شكلت كاريزمتها القوية، وحضورها الطاغي، وموهبتها المتميزة.