محطات..هي الحياة..

بسمة نسائية/ أصواتهن

بقلم:خديجة قرشي*

تتغير الأمور من حولنا يوما بعد يوم، يكبر أبناؤنا.. تنمو شعيرات بيضاء متفرقة هنا وهناك على رؤوسنا، منّا من يجتهد في محاولة منه لإخفائها ومنّا من ينتظر أن تبيضّ الشعيرات الأخرى بعد حين، ليرى ما هو فاعل بها.

الجميل في الأمر أو المفارقة، أننا لا نرى الشيب إلا في رؤوس أقربائنا وأصدقائنا. نضحك، نسخر من الزمن ومن العمر الذي يتقدم بسرعة.

وكما الخريف حين تتساقط أوراق الشجر، نفقد بين الحين والحين زميلا لنا، جمعتنا به مقاعد الدراسة أو تتركنا صديقة جمعنا بها العمل المشترك والوظيفة نفسها.

أردد دائما أن القدر يسخر منا فحسب، ونحن لا نأبه لذلك أو ربما نتجاهله، فحياتنا تشبه إلى حد كبير قطارا يتوقف من محطة إلى أخرى. ينزل بعض منا في محطة ما ويواصل الآخرون الطريق. نودّع وجوها ونلتقي وجوها جديدة ونقول، جميعها نفس الوجوه، إلا أنها بملامح مختلفة.

من الناس من ينظر إليك عابسا ومتجهما وغاضبا كمن كان له دين عليك، ومنهم من يشحذ نظراته، يتجه يمنة ويسرة، يتحين الفرصة كي يغرسها في صدرك، كأنه يثأر لنفسه لأن صدفة اللقاء لم تكن مناسبة.. وأي لقاء هذا؟ كل واحد ووجهته…

ومن الناس من يكون خفيف الظل، مبتسما، فرحا كطفل لم تصفعه خيبات الحياة بعد، يسارع لمساعدة سيدة عجوز في حمل حقيبتها، يفرح بدعائها الذي يلاحقه ويذكره بدعوات أمه التي غادرت وظلت حاضرة في قلبه. يبتعد، وقد يضع نفسه في خدمة من كان محتاجا للمساعدة حتى دون أن يُطلب منه ذلك.

وفي الجانب الآخر، هناك من يتابع المشهد باهتمام وكأنه في مسرح للدمى ويسائل نفسه وإن كان على يقين من أن ما يحرك هذا وذاك غاية لا يعرفها غيره، ستبديها الدقائق أو الساعات أو حتى الأيام اللاحقة، وفي غالب الظن تكون هذه الغايات ملغومة وتحمل بين طياتها شرا ليس أكثر، لأنه اعتاد ألا يقدم خدمة إلا بمقابل ما، وقد يجتهد ويتدخل لإنقاذ شخص ما أو لمنع الضرر عنه لإيمانه بأنه العارف والحذر الذي لا تنطلي عليه الحيل أو التظاهر بالطيبة.

صدقا لقد تغير الزمن، تغيرنا وفقدنا الثقة في الجميع وبتنا حذرين في معاملاتنا، نشك في الجميع ونقنع أنفسنا بأن الآخرين يتربصون بنا، يلاحقوننا ويتابعون خطواتنا ويتصيدون عثراتنا لينقضّوا علينا في الوقت المناسب.

البعض منا يوهم نفسه بأنه شخصية مهمة وأن أحدا ما يلاحقه ويتابع خطواته لأهداف كثيرة يستطيع أقلنا حكمة وتبصرا معرفتها وتحديدها. ولا يعدو الأمر في النهاية أن يكون إلا اضطرابا أو حالة مرضية لم يتم بعد تشخيصها؛ لذلك، فكثيرا ما يشدنا الحنين للزمن الجميل الذي عشناه، فلا نفتأ نقارن بيننا وبين أطفالنا ونتحسر على القيم الجميلة التي ضاعت حين فقد المعلم هيبته والقدوة أهميتها وأثرها ولم تعد المدرسة أما ثانية مربية كما عهدناها.

*(من وحي لانفيث..)

 

 

Exit mobile version