” دروب كازابلانكا” رواية تحيي العظام وهي رميم…

عائشة العلوي لمراني في صالون الربوة: كاتبة تحتضن كل شيء بحب..

 

بسمة نسائية/ عزيزة حلاق

في الجلسة الواحدة والستين من جلسات صالون الربوة الثقافي، والتي احتفت بالكاتبة عائشة العلوي لمراني، وجدت سيدة الربوة الأستاذة خديجة شاكر نفسها في وضع خاص بحكم العلاقة الوطيدة التي تربطها بعائشة علاقة صداقة بنيت منذ 1972، على أسس متينة وصلبة، وظلت صامدة وراسخة إلى اليوم.

لم تكن ذ. شاكر، وهي تسير هذا اللقاء في وضع عادي، حيث اعترفت أنها محرجة، بعد أن عجزت عن خلق التباعد الضروري واللازم لتقديم موضوعي لهذا اللقاء، غير قادرة على خلق أية مسافة مهما قصرت، سواء بينها وبين الكاتبة، أو بينها وبين روايتها.

وقالت في تقديمها لهذا اللقاء: لم يسبق لي وأنا أقرأ رواية من الروايات، أن كنت قريبة جدا من الساردة أو الساردتين، ( إحالة إلى هاينة وأحلام  بطلتا الرواية)، مثلما كنت، وأنا أقرأ رواية “دروب كازابلانكا”…

هل تصدقن بأني كنت أسمع عائشة تتحدث، أنصت إلى همساتها وإلى نبض أفكارها. لم تكن بعيدة عني وأنا أتابع حكي أحلام وهاينة. إنها هي وهي تكتب عن دروب البيضاء، وعن حقبة من تاريخ المغرب…أو تتجول بنا في شوارع ومعالم باريس. وهي تكشف عن أشكال القهر التي تعيشها النساء، عن التعليم وعن الفقر، أكاد أراها تحضر أحد اطباقها الشهية في مطبخها..

كل ذلك وأنا أستمتع بأسلوبها الأخاذ المتفرد. كيف لي أن أتحرر من الشعور بهذا الارتباط بيني وبين الكاتبة وبين ذوات الرواية وأحداثها؟

عائشة تمكنت في روايتها “دروب كازابلانكا”، من أن توثق بطريقتها المتفردة لجيل ولمدينة ولفترة ولظواهر وأحداث. قرأت الرواية تقول شاكر، أكثر من مرة لعلي أستطيع النفاذ إلى أعمق من ذلك القرب من كاتبتها، الذي يغمرني وبقدر ما يسعدني، بقدر ما يحيرني.

بعد هذه الكلمة الجميلة والصادقة عن هذه الصداقة، أنصت الحضور باهتمام وإمعان إلى قراءتين مهمتين، الأولى قدمتها ذ.مليكة غبار، والثانية ذ. زهرة رشاد.  (سنعمل على نشرهما لاحقا)..

قيل الكثير من خلال القراءات أو من خلال النقاش، عن الأستاذة عائشة العلوي لمراني، التي انتقلت بروايتها الأولى “دروب كازابلانكا” من موقع القارئة الفاحصة إلى موقع الكاتبة المبدعة، انتقلت من نظر التحليل والتفكيك إلى كتابة السرد ونسج الوقائع وخلق الشخصيات، فأبدعت عملا روائيا مكتمل الأركان، حبكة وسردا وبناءا ولغة، يجعلها تستحق أن تتبوأ المصاف الأولى ضمن الروائيات ليس المغربيات فحسب بل العربيات أيضا. وقالت عنها ذ.مليكة غبار ” الكتابة عند عائشة لمراني تحيي العظام وهي رميم”.  وعاب عليها البعض وهي الشاعرة الملتزمة والمثقفة العضوية، تأخرها دخول عالم الرواية، وشبهنها بعضهن، بالمفكر عبد الله العروي.

عائشة العلوي مبدعة، قادمة من الزمن الجميل، بدأت الكتابة وهي تلميذة، عبر البوح في مذكرات سرية. تم نشرت لها مقالات وقصص قصيرة ونصوصا شعرية في صحف وطنية.

وظلت الكتابة بالنسبة لها غواية وقعت في إغرائها، كانت ترقنها وتحتفظ بها في ذاكرة الحاسوب، قبل أن تتيح لها الرقمية الافراج عن هذه المكنونات بنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فلقيت تدويناتها استحسانا من قبل القراء، وانتبهت إلى تميزها الراحلة عزيزة يحضي، فاقترحت عليها الانضمام لتعزيز مجلس حكيمات رابطة كاتبات المغرب.

لكن، المحطة المفصلية في مسارها الإبداعي والأدبي، كان في مؤسسة الربوة للثقافة والفكر، حيث حضرتها أول مرة كمدعوة، لتصبح واحدة من سيدات الربوة، بعد أن وجدت -كما تقول- في المؤسسة وصالونها مأوى الروح والفكر والجسد، فاندمجت في قراءة الروايات التي زكتها مؤسسات وطنية وعربية لنيل الجوائز، بالإضافة إلى الإبداع النسائي والدراسات الفكرية ذات الطابع السوسيوثقافي المغربية والعالمية.

وها نحن اليوم، في مجلس الربوة، نحتفي بها كروائية وكاتبة مبدعة، تجمع بين شغف القراءة، وانسياب الحكي مع التواضع الإنساني والاخلاق العالية… هي خصوصية كفيلة بأن تجعل من الأستاذة عائشة العلوي لمراني أديبة متميزة ليس فقط في الحقل الثقافي النسائي المغربي بل أيقونة جيل من المثقفين، كما قالت عنها صديقة الربوة والمناضلة النسائية العلوي رجاء،

في تعقيب أخير، مع اختتام هذه الجلسة الماتعة لصالون الربوة الثقافي، أعطيت الكلمة للمحتفى بها، الأستاذة عائشة العلوي لمراني، فقالت بتواضع الكبار- أمام من اعتبر روايتها شبيهة بكتابات الأديب العربي، نجيب محفوظ، وطلبوا منها الاشتغال على ثلاثية، “دروب كازابلانكا”، فعقبت وهي تبتسم على أيقاع أغنية عبد الحليم حافظ:

” كان مالي ما كنت في حالي متهني بقلبي الخالي” …

في انتظار الجزء الثاني، ولما لا الثالث، الذي يظل مشروعا ممكنا ومطلوبا بعد أن أسرنا أسلوب عائشة، المتفرد الأخاذ، ونحن نرافقها في دروب كازابلانكا، سنظل متلهفات لاكتشاف دروب أخرى من دروب الدار البيضاء.

لقد أبدعت عائشة لمراني، وإن تأخرت في الإفراج عن إنتاجاتها الأدبية، وأتحفتنا برواية عكست، كما عبرت عن ذلك، الشاعرة عائشة حسمي، عن علو الكعب الأدبي وتجليات الحس النقدي في الكتابة وسمو روحي ينصت للأشياء البسيطة والمركبة. استمتعنا بمجالسة الروائية عائشة عبر رواية ” دروب كازابلانكا”، وهي تنشر الوعي ببساطتها وبكينونتها الجميلة.

جميل أن نشعر كقراء بالحضور مع كاتبة تحتضن كل شيء بحب.

*صورة من الأرشيف عائشة العلوي في حفل توقيع روايتها بالمعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط

Exit mobile version