عزيزة حلاق/ بسمة نسائية
في سياق النقاش المجتمعي الدائر اليوم، حول إشكالية وضعية الصحافة وحرية التعبير والتنظيم الذاتي للمهنة، وفي ظل الواقع الجديد الذي ينتصر لإعلام العالم الأزرق(كافا)، يأتي اللقاء الذي نظم بالبرلمان أمس الثلاثاء 25 أكتوبر 2022، بمبادرة من الفريق الحركي وبشراكة مع منتدى الصحافيين الشباب، تحت عنوان:
” الصحافة بالمغرب، بين تكريس الحرية والنهوض بأوضاع المهنيين”.
اللقاء تناول العديد من النقط المتعلقة بإشكالية واقع الإعلام ببلادنا، وكان من بينها التناقض الحاصل بين الوضع الاعتباري للصحافي المهني والهشاشة الاجتماعية التي يعانيها أغلب الصحافيين، مقابل ارتفاع منسوب الإقبال على التفاهة والتافهين، وتصدرهم للمشهد الإعلامي.
وطرح المشاركون كيفية التصدي للأخبار الزائفة وظاهرة “المؤثرين”، مع اعتماد قواعد عمل جديدة، تسهم في ابتكار طرق جديدة في إنتاج المحتوى، وفي توسيع هامش الحرية، والقرب من اختيارات القراء، وإنقاذ السوق الإعلانية من عمالقة الأنترنيت.
ومن الأفكار التي طرحت ضمن نقاش القاعة، الدعوة لتنظيم مناظرة وطنية ثانية للإعلام، بعد أن استوفت مناظرة مارس 1993 صلاحيتها، في زمن الثورة الرقمية.
إدريس السنتيسي:
في كلمته الترحيبية، دعا إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، وعراب هذه المبادرة، على انفتاح الأحزاب أغلبية ومعارضة على قضايا الصحافة، وفتح باب المؤسسة التشريعية لاحتضان النقاش البناء بشأنها، نافيا أن تكون لمثل هذه المبادرات أي أبعاد سياسية، ومقترحا أن يقابل مجهود الصحافيين بتعويض يحفظ كرامتهم.
ادريس السنتيسي، أشار في خضم النقاش الذي أثير حول الموضوع، أن اللقاء ينعقد بالصدفة، عشية انطلاق مناقشة قانون المالية للسنة المقبلة 2023 (يومه 26 أكتوبر 2022 وفي القاعة ذاتها القاعة 11)، وهو ما يسهم في بلورة توصيات هذا اليوم الدراسي خاصة ما يتعلق بدعم المقاولة الصحفية والنهوض بأوضاع الصحفيين المادية والمهنية عبر التكوين والمواكبة، لطرحها عند مناقشة قانون المالية في الشق المتعلق بقطاع الصحافة والإعلام والتواصل.
سامي المودني:
قال سامي المودني رئيس المنتدى المغربي للصحافيين الشباب (هذا الإطار الذي أضفى نفسا جديدا في المشهد الإعلامي الوطني)، إن هذا اللقاء يأتي في سياق متسم بنقاش مجتمعي حول قضايا التنظيم الذاتي لمهنة الإعلام وأوضاع مهنيي القطاع، بما يفرضه ذلك من تحديات. وذكر منها:
– تفاقم وضعية الصحافيين، وتراجع عائدات اقتصاد الإعلام، واستحواذ “كافا” على نسبة كبيرة من السوق الإعلانية.
– إشكالية الوضعية الاجتماعية للصحفي التي لا تتناسب ووضعه الاعتباري، وما يطلب منه كممثل للسلطة الرابعة، والتنظيم الذاتي للمهنة ووضعية المقاولة الصحفية، وأيضا ملائمة المنظومة القانونية الوطنية لحرية الصحافة مع المواثيق الدولية، وأساسا المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وتطرق المودني أيضا، للجانب القانوني والأخبار الزائفة و”المؤثرين”، داعيا لاعتماد قواعد عمل جديدة، عدّد منها ابتكار طرق جديدة في إنتاج المحتوى، وتوسيع هامش الحرية، والقرب من اختيارات القراء، وإنقاذ السوق الإعلانية من عمالقة الأنترنيت.
الوزير بنسعيد:
من جهته، أكد محمد مهدي بنسعيد، وزير الثقافة والتواصل والشباب، على انفتاحه على نقاش النهوض بالصحافة، وضرورة استبدال مفهوم الدعم بالاستثمار، كاشفا أن مقدار هذا الدعم سينتقل من 35 مليون درهم خلال سنة 2023 إلى 200 مليون درهم خلال السنة الموالية، معتبرا في السياق ذاته، أن الدعم الذي يقدمه المغرب للصحافة الوطنية لا يساوي شيئا أمام نظيره في دول مثل بلجيكا أو فرنسا أو أمريكا. وأشاد الوزير بالأدوار المهمة التي تضطلع بها الصحافة المهنية وطنيا وإقليميا وقاريا ودوليا، والتي يجب دعمها وتطويرها.
عبد الله البقالي:
“من المعيب، أو بمعنى أصح، حشومة، أن نكتشف أن قامة إعلامية من حجم خالد مشبال، رحمه الله عليه، أنهى حياته المهنية التي غطت عقودا زمنية وراء ميكرفون الإذاعة والتلفزة، بتقاعد لا يتعدى 2000 درهم”.
هي معلومة استحضرها نقيب الصحفيين عبد الله البقالي وهو يتحدث بحرقة عن الأوضاع الاجتماعية للصحفيين.
رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، تناولت مداخلته بالأساس وضعية الهشاشة البنيوية التي يعيشها جل الصحافيين، وتحدث عن مجموعة من النقط في هذا الصدد، منها أهمية ودور الإعلام في المجتمع، وكون الإعلام حاضنا للمشروع السياسي برمته، مستحضرا مقابل ذلك، منسوب الطلب على التفاهة مرتفع.
وقال إن التحولات الحاصلة في وسائل التواصل الاجتماعي تسببت في خلف نفور من حرية التعبير، حيث أصبحت الناس تعتبر نفسها متضررة من حرية التعبير، لأنها لم تعد تلك المنظومة التقليدية التي تستند الى قواعد وأخلاقيات. مضيفا أن المواطنين باتوا يشتكون من حرية التعبير لأنها وصلت للإساءة إلى أعراض الناس والحرية الشخصية.
محمد لغروس:
انطلق لغروس في مداخلته، من تجربته كناشر ومدير موقع “العمق”، والاكراهات المادية والمهنية التي تواجه المقاولة الصحفية وصعوبة تجاوزها في ظل ما سماه بالقصف المعلن الآتي من عوالم “الكافا” ومنصات التواصل الاجتماعي. مشيرا إلى أن واقع المقاولة الصحافية بالمغرب، تحول من أعراض مرض إلى مرض مزمن، قبل أن يستطرد قائلا: “رغم الأزمة فعدد من المقاولات الصحفية عموما حافظت على مواردها باستثناء البعض من التجارب التي اضطرت إلى الإغلاق بشكل تام”.
لغروس الذي تحدث أيضا كممثل الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، اعتبر أن المشكل في المغرب هو بطء تنفيذ القرارات الذي هو مكمن قوة الجهة المتخذة لها، مستغربا من عدم تنظيم انتخابات المجلس الوطني للصحافة في وقتها، ومتحدثا عن العلاقة الجدلية بين الصحافة كسلطة رابعة وباقي السلط، وكذا عن إشكالية تجويد القوانين وتطوير أشكال دعم المقاولة الصحفية، والقلق بشأن خرق الأخلاقيات “الممنهج”. إذ قال بهذا الصدد:” بالرغم من المجهود الذي يقوم به المجلس الوطني للصحافة فيما يخص الأخلاقيات، ووضع ميثاق لهذه الأخلاقيات، إلا أن هناك شعور في بعض الأحيان إلى أن عملية الانتهاك أصبحت ممنهجة، مضيفا أن فتح موقع أو تأسيس جريدة أو حمل ميكروفون لا يمكن بأي حال من الأحوال لصاحبه أن يستحق حمل لقب السلطة الرابعة”.
لغروس وبعد أن أشار إلى أن هناك إحصائيات حول عدد من الأشخاص الذين ينتحلون صفة صحافي ويشتغلون خارج القانون، ونشاهد عملية تفرج تامة، وعدم الضرب بيد من حديد على مثل هذه السلوكات، طرح فكرة يمكن أن تلتقط لمجابهة الصحافة المزيفة، عبر خلق علامة شبيهة بعلامة “إيزو” تميز بين المنابر المهنية القانونية والتي تحظى أخبارها بالمصداقية، حتى يفهم المتلقي المغربي بأن ما هو منشور في هذا الموقع الذي يحمل هذه العلامة موثوق.
وسجل عضو المكتب التنفيذي لفيدرالية ناشري الصحف، هيمنة الإعلام العمومية على 300 مليار من الإشهار في السوق الوطنية، مضيفا أن عددا من المقاولات المغربية تتعامل مع “فيسبوك” و”يوتيوب”، وتدفع لها من أجل الإشهار، وهذا يعتبر تهريبا للرأسمال للخارج، ومعاقبة للمقاولات الصحافية التي تفتح الأبواب للآلاف من العاملين.
المهدي علابوش:
ممثل الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين المهدي علابوش، أعرب عن تأييده لكل المداخلات الداعية إلى النهوض بالمهنة والمهنيين، متبنية كل السبل المؤدية إلى ذلك، وقال علابوش إن طموح الجمعية يتجاوز مفهوم الدعم الذي قال بأن له حمولة قدحية ربطها ب” التسول” إلى مفهوم الاستثمار والنهوض بالمقاولة الصحفية.
يونس مجاهد:
وفي كلمته، أكد يونس مجاهد، رئيس المجلس الوطني للصحافة، على ضبط شروط ولوج مهنة الصحافة، مشيرا إلى جملة من الإشكالات التي اعترضت عمله خلال ولايته التأسيسية. ومن ذلك، إشكال صعوبة ضبط الوثائق، وغياب بعض الشروط، وإشكاليات التبليغ والتحكيم وتعقيد المساطر، وغياب الآليات القانونية لتطبيق العقوبات، منبها إلى أن المجلس يعكف على إعداد تقرير مفصل حول مختلف الإشكالات التي اعترضت ممارسته لاختصاصاته.
خلاصات:
ومن الخلاصات الأولية لهذا اللقاء الذي استغرق أكثر من أربع ساعات، الدعوة إلى التعجيل بفتح نقاش حقيقي ومسؤول يشمل جميع الأطراف حكومة وبرلمانا ومهنيين، حول الإطار القانوني المؤطر لمهنة الصحافة في المغرب، بما في ذلك الاتفاقية الجماعية للصحافي المهني، بما يحفظ حقوق ومكتسبات الصحافيين. والمطالبة بملاءمة قوانين الصحافة والنشر ببلادنا مع القوانين والتشريعات الدولية لحقوق الإنسان، وذلك من خلال حذف المقتضيات القانونية الواردة في القانون 73.15 القاضي بتغيير وتتميم بعض أحكام مجموعة القانون الجنائي، التي تسمح بمتابعة الصحافيين في قضايا النشر بالاستناد فقط إلى قانون الصحافة والنشر.
وفتح ورش مستعجل حول الأوضاع الاجتماعية للصحافيين المهنيين، يشمل مراجعة الاتفاقية الجماعية والاجتماعية والعمل على ملاءمة النصوص مع الواقع بغية النهوض بأوضاع الصحافي المهني والمقاولة الصحافية المهيكلة أسوة بباقي المقاولات الفاعلة في المجتمع”.
وأوصى المتدخلون، بتشجيع تنظيم اللقاءات والندوات التي تجمع الفاعلين ومختلف المتدخلين في مجال الصحافة والإعلام، خاصة خلال هذه المرحلة الدقيقة، والدعوة إلى تكثيف النقاش المجتمعي بما يسهم في الارتقاء بالممارسة الإعلامية في المغرب، ويعزز تجويد منظومة التنظيم الذاتي للمهنة.
كما وردت توصية تطالب الحكومة بالتعامل المسؤول مع الصحافة الوطنية وتقدير أدوارها في البناء الديمقراطي، وتعزيز مكانتها داخل المجتمع بما يكرس حق المواطنين في إعلام مهني ينظمه القانون، عوض اللجوء إلى قنوات وأساليب تساهم في تفشي أشكال التسيب وخرق أخلاقيات المهنة وانتشار الأخبار الزائفة.
توصية أخرى شددت على ضرورة فتح نقاش عميق حول موارد السوق الإشهارية ببلادنا، خاصة في مواجهة عملاقة الأنترنيت (GAFA)، الذين يتوجه إليهم المستشهرون بدل التوجه إلى المقاولة الإعلامية المنظمة من أجل نشر إعلاناتهم، مما يضيع على هذه المقاولات مداخيل مادية مهمة.
عنصرُ التكوين بدوره كان حاضرا في النقاش، وذلك عبر الدعوة إلى الاستثمار في الموارد البشرية في المجال الإعلامي من خلال دورات تكوينية تواكب التطورات التقنية التي يعرفها مجال الإعلام والاتصال، والنصوص القانونية الدولية والوطنية المتعلقة بالمجال، وتشجيع مفهوم الاستثمار في تطوير هذه المقاولات، وتحفيزها على الإبداع في الإنتاج المهني، وتسويقه خارج الحدود إقليميا وقاريا ودوليا.