خاص/ بسمة نسائية/ عزيزة حلاق
صور: محمد بلميلود
أدرج اسمها ضمن لائحة النساء المبدعات لتكون من بين المكرمات، في لقاء كان سيكون قبل الجائحة، جرى التواصل معها من قبل جمعية أبي رقراق، رحبت بالفكرة وعبرت عن امتنانها لهذه المبادرة التي اختارت كتيمة للقائها، النساء المبدعات من ذوي الاحتياجات الخاصة…
جرت التحضيرات وتحدد موعد اللقاء يوم 26 مارس الجاري، فبدأت الاتصالات بالأسماء المكرمة، ومن بينهن شاعرتنا حسنة أولهاشمي…
تعطل الهاتف وانقطع التواصل وموعد اللقاء يقترب.. الصديقة عواطف دريهم المشرفة على هذا النشاط باسم ملتقى تاء التأنيث للإبداع النسائي، تسألني ما العمل؟ فكانت فكرة الاتصال بالصديقة الكاتبة سلمى أمانة الله، بحكم الصداقة الخاصة جدا التي تربطها بالشاعرة حسنة أولهاشمي…
فكان الخبر الصاعقة ….رحلت شاعرتنا ….يوم 8 مارس..غيبها الموت ولن تحضر التكريم….
بقية الحكاية تسردها في هذه الكلمة المؤثرة التي قدمتها يوم تكريمها/ تأبينها سلمى مختار أمانة الله:
كيف أحضر أنا وتغيب هي؟
مساء النور مساء المحبة مساء الشكر والامتنان لجمعية أبي رقراق في شخص رئيسها المحترم الأستاذ نور الدين اشماعو، هاته الجمعية العتيدة التي ساهمت من خلال مسيرتها الطويلة في إرساء مفاهيم سامية تدعم الإنسان بكل أبعاده الثقافية والاجتماعية والتنموية. باقات ود وتقدير للفرع النسوي للجمعية الذي سهر على تنظيم هذه الدورة المخصصة للإبداع النسائي …الشكر موصول أيضا لنادي المعاق الشريك المساهم في إنجاح هذا اللقاء الماتع الذي جئناه بشوق بعد زمن الجائحة الشحيح من اللقاءات.
مساء المحبة للحضور الكريم كل بصفته واسمه..
أرجو من حضراتكم أن تعذروا ارتباكي، فالموقف بالفعل جلل بالنسبة لي..
فبقدر ما تمنيت وسعدت بدعوة جمعيتكم العتيدة لأشارك معكم في هذا اللقاء لاحتفائي بقدر ما تهيبته وخشيته..
فكيف يمكن لي أن أنوب عن صديقة غالية وشاعرة مرهفة وإنسانة موغلة في انسانيتها لم يمهلها الموت حتى تحضر تكريمها المرتقب والمنتظر والمستحق..
كيف أحضر أنا وتغيب هي؟ وكيف أجعل من غيابها القسري حضورا وازنا يليق بالمناسبة المتوهجة بمعاني التقدير والاعتراف..
والله يشهد أن الكلمات ورغم استفزازي لها وإلحاحي عليها عاندتني على غير العادة. لم تطاوع زخم المشاعر المتضاربة في صدري ولا عتقت لساني لعله يفيض ببعض ما يعتمر به القلب من حزن الفقد المفجع وكم التقدير والمحبة الذي يكنه للفقيدة..
الحدث جلل بكل المقاييس والحديث مشوب بمخاطر الحشرجة التي لا تكاد تفارق الحلق.
حين علمت من الصديقة الإعلامية عزيزة حلاق أن اسم الشاعرة والناقدة حسنة أولهاشمي تم إدراجه ضمن زمرة من الأسماء الوازنة لنساء رائعات مقاومات ومبدعات حقيقيات. تغلبن بشجاعة على أعطاب الجسد لتنتصرن للحياة وللجمال، أقول سعدت بهذا الاختيار الذي يعكس وعيا ورقيا وعمق نظرة قلما جاد بها زمن الابتذال والتفاهة.
الشاعرة والناقدة والإنسانة الشفيفة حسنة أولهاشمي، جديرة بالتكريم والاحتفاء. هي القادمة من أقصى القصيدة لتبني بجمالية اللغة عوالم مكتظة بمعاني الحياة، ولن أطيل الحديث في هذا المنحى تاركة للصديقة والشاعرة فتيحة النوحو الباب مواربا لتطلعنا لاحقا على بعض خصوصية شعر الفقيدة الحاضرة الغائبة.
عرفت حسنة عبر موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك منذ بدايتي به قبل عشر سنوات تقريبا، شدتني صفحتها بقصائدها الرائعة التي تحلق بمعانيها في سموات المتعة والإفادة. تشابكت بعدها كلماتنا وأحاديثنا بفعل جاذبية الأرواح التي تتوق دوما لأشباهها، لاكتشف بدهشة أن حسنة ليست شاعرة فقط، بل ناقدة أدبية متمكنة من أدوات النقد ولغته وأسراره. كنت أحب صوتها حين يأتيني به الهاتف من حين لآخر ..
أختي سلمى.. هكذا كانت تناديني بصوت شجي كأنه الندى حين يلثم خد الورد في الصباح..انتظرت معي بشوق صدور روايتي الجديدة وكنت مثلها أشتاق أن تقرأني كأن ما أكتب لا يكتمل إلا بقرائتها. ولأن زوابع الوقت تأخذنا أحيانا بعيدا عن تلك الأرواح التي تستكين لها أنفسنا، لم أنتبه أن حسنة أطالت الغياب هذه المرة وأن هاتفها ظل مقفلا رغم إلحاحي عليه، منيت النفس أنه انشغال أو استراحة من الافتراضي ستعود بعدها للتمطر علينا من زخات روحها العطرة كلمات تخطها بحنكة وحب.. قبل أن يصعقني خبر رحيلها صباح 8 مارس الجاري. أياما فقط قبل تكريمها المنتظر..
رحلت في اليوم العالمي لحقوق المرأة. كأن القدر توطأ مع رغبة دفينة للفت الانتباه ليس للمرأة فقط بل لتلك الجاثمة تحت ثقل المرض والإعاقة والتهميش..
الفاجعة كانت بالفعل أكبر من قدرة الاستيعاب…
أعلم حسنة أن جسدك خذلك منذ مدة طويلة مارس عنفه وهو يثقل عليك بأعطابه المتلاحقة وأمراضه المتعاقبة.. أعلم أيضا أنك قاومت حتى آخر لحظة.. قاومت بشراسة كأي مقاتلة عنيدة تنتصر للحياة ضدا عن كل الظروف والأحوال..
هل من الصدفة أن تكون روايتي التي لم يمهلك الموت حتى تقرئينها؟
هل كانت صدفة أن السارد فيها ميت يحدثنا عن حياته التي انقضت فجأة؟ بطلقة لم تعتقه..
هل كتبت عن موتنا الجماعي لأبقيك حية ضدا في كل أوجه الغياب؟..
لا أدري كما لا أدري.. لما أنا الآن أقف حيث كان من المفروض أن تقفين أنت بخجلك المعهود وابتسامتك الوارقة وصوتك الطفولي لتسعدي بلحظة تكريم مستحق وسط هذا الجمع البهي..
اعتراف جميل جاد به أخيرا زمن الجحود، لكنها مشيئة المولى ولا يسعنا في الأخير إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون.
الشاعرة فتيحة نوحو:
نكاية ببومة الألم راقصت فراشتنا الأمل…
هي الفراشة التي حملت بريد الفرح، خالته صغيرا بينما كان شاسعا رحبا رحابة روحها البهية إنها الراحلة الشاعرة حسنة اولهاشمي..
روت عطش الأقدام بشموس المجاز ، نظمها مخاتل لخيوط المغيب، فكلما تحرشت بها الأشجان وقفت على صخرة المرح لتطلق صرخة المعنى..
من قصائدها:
حين يستبد بي جوع الصراخ؟
لن أركض حافية هذه المرة
كما وعدت صغار الآثام
سأتخلص من نصفي الأسفل
أحمل الحقول في صدري
وأرسم على مرمى شهقة
ندوب أغنية
بتؤدة تسيل من فم راعية
تسقط العصافير اتباعا
من وشوم وجهها
ويتصلب اللحن الجريح في دمي
دمي الذي ضيع فصيلة المعنى
في مواويل عذراء
لتمتلئ حياض اللغة
تختفي القصيدة
ويخرس الكلام
في حضرة
الاحتمالات المجيدة..
أحسنت حسنة لمفرداتها، وفت لخطو حيها تغنت بحقول قريتها..
نكاية ببومة الألم راقصت فراشتنا الأمل إلى آخر نبض باستعارات الحب وبلاغة الوفاء
فألف ترنيمة لروحها البهية…
وستبقى صدى أشعارها ظلا لأهلها أحبائها ولقرائها..
قالت مرة وهي تتحدث عن نصوصها الشعرية:
في نصوصي الشعرية أحب أن أعيش الألم في كامل فرحي وأتلذذ موتي باقتناع، لن أختار الجمود والاستسلام، بل أحب أن أخوض المعركة بإصرار وأحيى ثورة الفعل..
أفضل، بل أحب أن أخوض الطريق ولا أبقى جامدة. هنا أستحضر قولة فرناندو بيسوا حين يقول: “لا تحدق إلى الطريق، اسلكها”.. إلى جانب كل ما ذكرت حول انعكاس الحزن حول كتابتي الشعرية، لن أغفل ما يكابده أي شاعر يتأثر بما يحصل حوله في العالم، فكغيري تضيع روحي بين كل رجة حاصلة هنا أو هناك، في زمن الحروب والمجاعات والإبادة الإنسانية وتوالي المآسي وكل أنواع الخرابات. فما بوسع الشاعر إلا أن يوقع اكتواءه بجرات أقلام يتشارك الفردي والجمعي الهم والقضية والمصير”.