بقلم: عبد الله الدامون
كثيرون يطالبون اليوم بمنح جائزة “نوبل” للطب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لسبب واحد، وهو أنه استطاع القضاء على فيروس “كورونا” من جذوره..
صحيح أن بوتين لا علاقة له بالطب، لكنه تفوق على كل الأطباء ووضع حدا لكل الكلام عن الفيروس لمجرد أن وطئت أقدام أولى الجنود الروس أرض أوكرانيا. هي مزحة، لكن في ثناياها الكثير من الجدية، وإلا لماذا توقفت وسائل الإعلام العالمية، بشكل فجائي وغريب، عن الحديث عن الفيروس وخطورته، ولماذا رمى العالم كماماته في القمامة في أول دقيقة لاجتياح القوات الروسية أوكرانيا، ولماذا أعلنت منظمة الصحة العالمية أن موجة “أوميركون” انتهت بشكل كامل، رغم أنها لم تقل إن الفيروس الأصلي انتهى؟! ..
طوال السنتين الماضيتين وقف العالم على رأسه بسبب فيروس “كورونا”، وتحمل الملايير من البشر تبعات اقتصادية تصعب على الوصف، وأفلس مئات الملايين من الناس أو من المقاولات في مختلف القارات، وذهبت أرواح كثيرة عند ربها، وبقيت أرواح أكثر تتعذب.. ليس بسبب الفيروس، بل بسبب التهويل الكبير من الفيروس. لسنا من أنصار نظرية المؤامرة حتى نقول إن فيروس “كورونا” لم يكن موجودا من أصله، لكننا نستطيع أن نقول إن الفيروس الحقيقي هو الذي ضرب أدمغة الكثير من المسؤولين في مختلف البلدان، والذين دفعوا شعوبهم إلى حافة الفقر والتسول، وكثيرون انتحروا بعد أن فقدوا وظائفهم ومقاولاتهم ومنازلهم.. بل وحتى أسرهم.
من المؤسف أن نكتشف أخيرا، وربما بعد فوات الأوان، أن العالم لم يكن يضع كمامة بيضاء على أنفه وفمه، بل كان يضع كمامة سوداء على عينيه، وأن الأرواح التي تحصدها حوادث السير وباقي الأمراض المستعصية أكبر بكثير من تلك التي جنتها موجات “كورنا”، هذه الموجات التي كانت تُفزع البشرية، بينما كان كبار الأغنياء يلعبون معها “السّورْف”، وكلما جاءت موجة إلا وصعدوا فوقها بزلاجاتهم العجيبة وحصدوا أموالا خرافية، ومن لا يصدق عليه أن يلقي نظرة على أرباح الأغنياء، ثم يتحسس جيوبه جيدا، لكي يعرف ماذا فعلته “كورونا” مع الأغنياء، وماذا فعلته بالفقراء.
اليوم، وبعد أن نسي العالم “كورونا” وقرر أن ينتبه لفيروس جديد اسمه “بوتين”، من حق الناس أن يتساءلوا.. بكامل البراءة.. ماذا لو قررت روسيا غزو أوكرانيا في الأيام الأولى لظهور فيروس كورونا، هل كان العالم سيؤدي كل هذا الثمن الغالي اقتصاديا ونفسيا وصحيا؟ من الغريب، فعلا، أن كل وسائل الإعلام التي كانت تتخصص في ترهيب الناس من فيروس كورونا وموجاته المتلاحقة، هي التي تقوم حاليا بإفزاع العالم من الحرب العالمية الثالثة، وهي التي تصف بوتين بالفيروس وتجعله أخطر من كورونا، وهي التي تحذر من فناء العالم إذا انفجرت المفاعلات النووية في أوكرانيا أو نشبت حرب ذرية بين روسيا وباقي الغرب..
هذه الجهات التي أرعبت العالم من الفيروس هي التي قررت إنهاء كورونا، على وجه الاستعجال، والتخصص في البكاء على اللاجئين من ذوي العيون الزرق والشعر الأشقر وتضعهم معاناتهم فوق معاناة السوريين واليمنيين والفلسطينيين والأفغان والأفارقة واللاتينيين وباقي الشعوب التي ولدت لاجئة وبقيت كذلك. أسوأ ما يحدث اليوم ليس فقط هذا الاكتشاف المروّع لمدى نفاق الغرب وتصنيفه للدماء البشرية حسب لون العيون ولون الشعر واسم البلد، بل أيضا اكتشاف كيف أصبح الكائن البشري عجينة في أيدي مجهولة، وربما تكون معلومة، تجعل الإنسان يخاف ويطمئن ويبكي ويضحك وينام ويستيقظ حسب ما يتم إدخاله في دماغه كل يوم من معلومات عبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل. لقد وضعوا العالم في فقاعة.. فقاعة عملاقة.عموما.. لنعد إلى سؤال البداية: هل نمنح بوتين جائزة نوبل للطب..؟