أنا الأم التي تنكر لي أبنائي، أنا الأم التي أعطت الكثير والكثير في جميع المجالات لهذا البلد، أنا الأم التي احتضنتكم صغار وأذاقتكم لذة الحنان والعطف..
أنا الأم التي رويتم من تذبها ماءا عذبا زلالا، أنا الأم التي أطعمتكم من سوانيها خضرا طرية، أنا الأم التي عشتم طفولتكم في كنفها…في أمن وأمان…
فكم لعبتم في أحضاني دون خوف، لأن حراسكم أولياء الله الصالحين، أنا سلا التي كنت من أحسن المدن والتاريخ يشهد لي على ذلك..
أنا سلا أم شهداء تحرير الوطن، أنا سلا التي قدمت إلى المجتمع أحسن الرجال والنساء في جميع المجالات من طب وهندسة وعلوم وأساتذة أكفاء كونوا أجيال وأجيال..
أنا سلا التي يعرفها الصغير قبل الكبير، فمني ومن رحمي خرج أول صيدلاني بالمغرب، وأول مدير للأمن الوطني وأول مربي لولي عهد البلاد ملكنا الآن، وكذلك وزراء وسفراء وعمداء كليات وكتاب ووعاض ومؤرخين ومؤلفين ومدراء مستشفيات جامعية ومهندسين طبعوا المعمار بتصميماتهم..
أنا سلا التي أنجبت عمداء شرطة ممتازين وووو، لقد كنت جميلة أعيش الأمن والأمان، أزقتي نظيفة وجدراني بيضاء تلمع من شدة الاهتمام بنقائها وأحيائي منظمة..
أنا سلا المدينة التي كنت معروفة بالتنظيم في كل شيء حتى في الحرف والدليل على ذلك الأحياء التي كانت تحمل اسم نوع المنتوج الذي فيها.. مثلا الحدادين كانت لصناع الحديد والنجارين للصناع النجارة والخشب والخضارين لبائعي الخضر والحواتين لبائعي السمك والخرازين مكان صنع وبيع الأحذية والبلغة والقيسارية لبيع الأثواب والذهيبية مكان بيع الذهب ..
أنا سلا…التي أصبحت تعيش العشوائية في كل شيء، لقد كنت كعقد اللؤلؤ يوم كان يقوم على تسيير شؤوني أبنائي، يخافون علي وعلى كرامتني ومكانتي.. أن تداس وتدنس…
اليوم أصبحت على هذا الشكل الذي ترونه في الصور بيوت مهدمة بعد أن كانت لفلان إبن فلان..
هكذا أصبحت بعد أن تخلى عني أبنائي، ورموني إلى الغريب وتنكروا لتربيتي لهم ولأمني وأماني الذي عاشوا فيه، هكذا تناوب على تخريبي أناس بعيدون الكل البعد عن الإنسانية، قدموا إلي طالبين اللجوء من حر شمس الصيف ومن لسعة برد الشتاء وتقت بهم واحتضنتهم ووفرت لهم المسكن والمأكل والمشرب فردوا لي الجميل بتخريبي، لكن ليسوا وحدهم من فعلوا بي هذا، فأبنائي وأحفادي لم يعودون يرضون بالعيش معي وعندي وهجروني وتركوني أما من غير أبناء، أما تلطمها أمواج الحكرة وقلة العناية، أما تصيح وتصرخ بأعلى صوتها:
– أينكم يا أبنائي… عودوا إلي ورحموني من هؤلاء الناس الذين عاتوا في بيوتي فسادا. ..أبنائي وأحفادي هذه صيحتي لكم وا سلوياه وا سلوياه وا سلوياه لقد ضقت ذرعا بمن ينهبوني وينتهكون حرمتي ويهدرون مالي فيما لا يليق بي بحجة أنهم يصلحون لكن في الواقع هم يفسدون…
هذه الصور التي تشاهدون التقطت من حي “البليدة” هي فقط نموذج من كل زقاق رسمه الزمان على جسدي والذي دخله فأس ومعول المصلح ليصلح لكن للأسف هو في الأصل ليهدم ويفسد ما بناه التاريخ ويبيح حرمة بيوتي …
استفيقوا يا أبنائي ويا أحفادي،أ نا سلا أمكم تناديكم وهي تحتضر لعل أحدكم ينقدني من بين هؤلاء الذين هجموا علي مرة باسم منتخبين ومرة باسم مسؤولين بشركات كبرى أوكلت لهم مهمة الإصلاح ومرة باسم السلطة …
وا سلاوياه أنا احتضر هل من أذان صاغية ،أنا سلا اناديكم وأشد على أياديكم أن تخرجوني من غرفة العناية المركزة ولو برفع أصواتكم “اللهم إن هذا إلا منكر”..
أوقفوا هذه المهزلة في حق أمنا ومدينتنا الحبيبة سلا فالحديث الشريف يقول من رأى منكر فليغيره بيده ومن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان
أنا التي تكتب هذه السطور أعدك يا أمي أن أصيح بعلو صوتي وأنادي:”
يا أخواتي وأبناء عمومتي وأخوالي وأحبابي في الله ويا أصدقاء طفولتي أتحدوا وقفوا معي ومع أمنا الحنون سلا وطالبوا بمحاسبة كل من خانها وباعها وهدم موروثها التاريخي .سلا أنت في القلب والعيون..