رغم أن تيمة “صورة المرأة في السينما والدراما”، قيل بخصوصها الكثير، واعتبرت موضوعا مستهلكا ظل حبيس “النوايا” والتنظير والإنشاء، إلا أن الورشة التفاعلية التي نظمتها الهاكا بشراكة مع جمعية أبي رقرق ضمن فعاليات المهرجان الدولي لسينما المرأة، منحت نفسا جديدا للموضوع وفتحت آفاقا للتفكير والنقاش.
فالأسماء التي تناوبت على المنصة لمناقشة هذه الإشكالية، قدمت قراءات ووجهات نظر كان لها تأثير على الحضور، وفتحت الشهية للتفاعل والنقاش. وخلصت إلى مسألة مهمة، وهي أن الكل مدعو اليوم، خاصة الفاعلين الرئيسين في الفعل السينمائي والدرامي من كتاب السيناريو ومخرجين ومنتجين وممثلين، للاشتغال على هذا التيمة المعقدة، والاشتغال أولا على الذات لفك هذه العقدة أو الالتباس الذي يحدث في علاقة هؤلاء الفاعلين والمجتمع ككل مع المرأة كإنسان وكجسد وكعنصر فاعل في المجتمع…
اللقاء افتتحته لطيفة أخرباش، رئيسة الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، بمداخلة أكدت من خلالها على أن “الصورة والكلمة والإعلام والثقافة والإبداع أدوات ثمينة لتسريع وتيرة بناء مجتمع متحرر من عقليات النكوص وخطابات الكراهية وإيديولوجيات التنقيص من المرأة”.
السيدة أخرباش نبهت إلى أن تكرار وتواتر الفيديوهات المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي والعادات الاستهلاكية لوسائط التواصل الحديثة تساهم في خلق وتكريس تلك الصورة النمطية عن المرأة.
وقالت:” إنه رغم التراكم الإيجابي المسجل على مستوى بعض الأعمال الفنية والإعلامية الحاملة لتوجه جديد ينأى عن توظيف الصور النمطية القائمة على إنتاج وإعادة إنتاج الفوارق بين الرجل والمرأة، على أساس طبيعتهما البيولوجية، تظل قضية إسهام الثقافة والفن والإبداع والإعلام في دعم وتعزيز حقوق النساء مطروحة في بلدنا وبإلحاح”.
وشددت رئيسة الهيأة على أن “غاية تقنين الإعلام هي إعلاء قيم الحرية وتحرير طاقات المبادرة والإبداع ولفت الانتباه إلى كل ما من شأنه كبح تحقيق هذه الغاية الفضلى”.
ولفتت أخرباش ضمن كلمتها، أن الهيأة التي ترأسها معنية بترسيخ ورش المناصفة بإشراك ومساهمة مؤسسات عدة بالارتكاز على تأمين الحرية في مضامين الأعمال التخيلية من خلال احترام مبادئ الحقوق الإنسانية الكونية. موضحة “أن الهيأة حريصة على المناصفة في البرامج الحوارية عبر وسائل الإعلام الوطنية وإشراك المرأة في صناعة الرأي العام”.
ورشة “أي تمثلات للنساء في السينما والأعمال التخيلية التلفزية؟”، نوقشت عبر جلستين، أدارهما الإعلامي بلال رميد.
الجلسة الأولى طرحت إشكالية “تمثيلية المرأة وحرية الإبداع” مع كل من:
فدوى مسك (كاتبة وسيناريست وصحفية سابقا) وسناء العاجي (مديرة نشر موقع مرايانا) وهشام العسري (مخرج) وأسماء المدير (مخرجة وناشرة ومنتجة) وثريا العلوي (ممثلة).
وأجمعت المداخلات على أن الجميع مسؤول عن خلق تلك الصورة النمطية المتداولة للمرأة كل من خلال موقعه الذي يشغله في المجتمع، وأن الموضوع لا يرتبط بالمغرب أو في البلدان العربية لأنه عالمي.
وربطت المداخلات جميعها على أن المرأة نفسها مسؤولة عن الصورة النمطية التي تكرس عنها، وأنه ومن موقعها سواء أكانت مخرجة يتوجب عليها استغلال تكنولوجيات العصر الراهن من خلال محتويات مدافعة عن المرأة عبر السينما. أو كانت كاتبة من خلال ضرورة العناية والانتباه للقاموس اللغوي المستعمل من قبلها في الكتابة والذي يكرس صورة المرأة النمطية وتكريس الخطاب الذكوري، وبالتالي إقصاء بشكل غير مباشر للمرأة في المجتمع.
الجلسة الثانية كانت بعنوان “النساء في السينما والتلفزة: فاعلون جدد، تمثلات جديدة؟ شارك فيها كل من: المنتجة لمياء الشرايبي والمخرج نور الدين لخماري وعبد العزيز كوكاس (صحفي وكاتب).
التدخلات خلصت إلى أن هذا النقاش، نقاش وجودي وأنه يفرض بداية تصالح المجتمع مع ذاته أولا.
المنتجة الشرايبي قالت بأنها تحرص على حضور المرأة في الأفلام التي تشرف على إنتاجها، مشيرة إلى أنها طلبت من المخرج إسماعيل فروخي في أحدث أفلامه السينمائية “ميكا” التي تحمل توقيعها، إعادة كتابة بعض أدوار الفيلم بعد تحويلها من رجالية إلى نسائية، مادام الأمر لا يؤثر على الحكي في العمل.
وانطلق نور الدين لخماري من تجربته الفنية الذاتية بعد عودته للمغرب قادما إليه من النرويج حيث استقر لعقود، مستعرضا هنا مختلف المشاكل التي واجهته خلال اشتغاله الفني بالمغرب، والتي جاء مقدمتها مسألة اللغة التي يستعملها المغربي في حياته اليومية. ثم مسألة الهوية والمرأة في الأعمال الفنية، ومن هنا فكر في حرصه على تقديم صورة مختلفة عن المرأة المغربية بناء على نموذج أمريكي مخزن في ذاكرته من خلال السلسلة التلفزيونية “القضية”.
وختم كوكاس مداخلات الجلسة الثانية، بتوضيحه أن علاقة ونظرة المرأة لجسدها ولنفسها تطورت في مرحلة الستينيات والسبعينات، ولكنها للأسف حصل التراجع في ما بعد وهو ما يحتاج إلى مساءلة حقيقية من قبلنا جميعا. مشيدا بتعددية المغرب، معتبرا أن ذلك يساعد السينما في خلق تعددية على مستوى الخطاب الذي تنقله السينما، وهو ما يعتبر إيجابيا والسؤال المطروح هنا هو: كيف ينبغي استثمار هذا التعدد سينمائيا؟.