بقلم: د. جمال المحافظ
يبدو أن الصحافة والصحفيين في حاجة ماسة في المرحلة الراهنة إلى استعادة نادي الصحافة بالمغرب للدور الذي يمكن أن يضطلع به في حالة تسلحه باستراتيجية واضحة المعالم، والتوفر على الإمكانيات الكفيلة بجعله إطارا فاعلا، في تنشيط الحياة الإعلامية والثقافية والسياسية، وكذلك فضاء خيمة يستظل تحتها، كافة نساء ورجال مهنة المتاعب، لملء الفراغ الذي تعانيه السلطة الرابعة في هذا المجال مقارنة مع نظرائها بقطاعات أخرى كالمحاماة والقضاء والطب والتعليم …
ومما يؤهل نادى الصحافة الذي تأسس في بداية تسعينات القرن الماضي، للقيام بهذا الدور، طبيعته الخاصة، باعتباره إطارا مستقلا عن أية جهة رسمية أو سياسية أو نقابية أو إعلامية أو غيرها، ومنفتحا على كافة والهيئات والمؤسسات الحساسيات من مختلف المواقع، فضلا عن ما راكمه عبر محطاته السابقة من تجارب وبرامج ساهمت بالفعل في إبانها في تنشيط الحقل الإعلامي والثقافي والسياسي، منها استقبال وتكريم عدد من الشخصيات الوطنية من عالم السياسة والفكر كالمرحوم عبد الله إبراهيم رئيس الحكومة في بداية الاستقلال والشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش.
وبتمثيليته الواسعة لفئات الصحفيات والصحافيين المغاربة داخل المغرب وخارجه المنتمية لأجيال مخضرمة وشابة وفعاليات نسائية، تنتمى للعديد من المنابر الإعلامية من صحافة مكتوبة وإعلام عمومي سمعي وبصري وصحافة الكترونية وإعلام جديد، فإن النادي مؤهل للمساهمة إلى جانب الهيئات الإعلامية التمثيلية الأخرى، في أن يشكل فضاء متميزا في فتح نقاشات عمومية وموائد حول عدد من القضايا ذات الطبيعة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية، فضلا عن خلق جسور التواصل ما بين الصحافيين والإعلامين والتقريب بين وجهات النظر حول العديد من المواضيع، من جهة والشركاء من المؤسسات الوطنية والدولية.
وتعزز هذا التوجه بعد تجديد هياكل النادي خلال جمعه العام الأخير في العاشر من أبريل الماضي، بعد فترة جمود دامت لسنوات، زادها صعوبة الرحيل المفاجئ لأحمد الزايدي ( 1953-1914) أول رئيس للنادي، حيث أسفر هذا الجمع عن نتائج إيجابية، تكرست بضخ دماء جديدة، في قيادة النادي وتدبيره تنتمى لمختلف المنابر الإعلامية ( صحافة مكتوبة وسمعية بصرية ورقمية).
ورغبة في تجديد تصوراته على ضوء التحولات التكنولوجية والمجتمعية التي أرخت بظلالها على مختلف مناحي الحياة، وتزكية هذا التوجه الجديد، نظم نادى الصحافة ورشة للتفكير والعمل، موجهة لفائدة أعضاء مكتبه التنفيذي، خصصت لوضع تصور مستقبلي، يتماشى مع التحديات الجديدة التي يطرحها القرن الواحد والعشرين، مع الانكباب على إعداد مشاريع برامج، وبحث السبل الكفيلة بتنفيذها بهدف إعادة الزخم لهذا الإطار الصحفي الذي تأسس في بداية التسعينات من القرن الماضي.
وهكذا تداول أعضاء المكتب التنفيذي، في هذه الورشة التي انعقدت تحت شعار ” رؤية متجددة”، في ثاني وثالث يوليوز الجاري بالمركز الدولي للشباب مولاي رشيد ببوزنيقة، وخصصت لوضع تصور يمكن النادي إلى جانب الهيئات الإعلامية الأخرى، من أن يصبح فاعلا رئيسيا والانخراط الإيجابي في كافة المساعي الرامية إلى تكريس حرية الصحافة، والاستجابة إلى تحولات المشهد الصحفي والإعلامي وطنيا ودوليا، وذلك استنادا إلى مقاربات حداثية، واعتمادا على عمل جماعي، يمتح من المبادئ والأهداف السامية والنبيلة لمهنة الصحافة، ويصون كرامة الصحفيات والصحفيين.
وإن كان نادي الصحافة مطالب في المرحلة الجديدة التي دشنها خلال جمعها العام الأخير، باستثمار كل عناصر قوته وهي كثيرة، تعزيزا لحضوره داخل المشهد الإعلامي الوطني، وتجاوز نقط الضعف التي يعانى منها، فإنه يتعين على مكونات هذا الإطار المدني، الانخراط إلى جانب نظرائه من الهيئات والمنظمات والفاعلين الإعلاميين والمثقفين، في التأسيس لخلق مناخ وبيئة إعلامية سليمة، في مقدمتها تصفية الأجواء خاصة ما يتعلق بحرية الصحافة والإعلام.
إن هذا الأمر سيجعل من نادى الصحافة بالمغرب، مخاطبا مقبولا لدى مختلف الفاعلين، والإسهام في ذات الوقت في تكريس قيم التضامن بين المؤسسات الصحافية والجسم المهني، وفي الجهود المبذولة للارتقاء بمستوى الممارسة الإعلامية، بشكل ينسجم مع أهدافه، ويدعم دولة الحق والقانون، ويقوى من سيرورة العمل الديمقراطي وينمى ثقافة حقوق الإنسان، ويوطن مهن الصحافة والإعلام بشكل ايجابي، ويضمن استقلالية الصحافة والصحفيين، وبالتالي سيرسخ المكانة الطليعية للإعلام في مسار التحول الديمقراطي، باعتبار أن الإعلام، مؤسسة ديمقراطية، تقوي من سلطة الرأي العام وتحصنه.
غير أن ممارسة مهنة الصحافة، يتعين أن يرافقها الالتزام بآداب وأخلاقيات المهنة، كما هو متعارف عليها عالميا، مع ضمان حق المواطنات والمواطنين في الحصول على المعلومات، ويؤمن بالمقابل كافة الضمانات لممارسة حرية التعبير والصحافة والإعلام، بشكل يدعم التعددية، ويخدم القضايا المصيرية وطنيا وجهويا ودوليا علاوة على المساهمة في تطوير العمل الصحافي وتحديثه، والاهتمام بالتكوين واستكمال التكوين، وتعزيز قيم التضامن المهني، ومواكبة المتغيرات الجارية في ميدان الصحافة والإعلام.
فهذه التحديات، تتطلب تعزيز قدرات تنظيمات النادي الداخلية من مكتب تنفيذي ومجلس إداري ولجان، بما يضمن مزيدا من الفعالية، والانفتاح على الأجيال الجديدة من صحافيين وإعلاميين وفاعلين في الحقلين الثقافي والاجتماعي، وهو ما سيكرس الحضور الإيجابي للنادي، ويسهم بالتالي في تحقيق تلك النقلة النوعية في مسار النادي، التي راهن عليها عدد من المشاركين في كل من ورشة بوزنيقة والجمع العام.
وهكذا سيكون النادي في مرحلة إعادة البناء هاته، مدعوا إلى تدشين عمله بتنظيم أنشطة، تكون في مستوى تاريخه، وتتجاوب في ذات الوقت مع الأسئلة الراهنة. من خلال تحديد الأولويات، وإبرام اتفاقيات وشراكات واضحة للمساهمة إلى جانب نظرائه من الفاعلين الإعلاميين في الارتقاء بمستوى الصحافة والصحافيين.
إلا أن تحقيق ذلك يظل رهينا بوضع الإمكانيات الكفيلة بتحقيق أهدافه وتنفيذ برامجه التي يتعين أن تكون متوافقة مع إمكانياته الذاتية والموضوعية. فهذه القضايا التي شكلت محور اهتمامات المكتب التنفيذي في ورشة بوزنيقة، تصدرها البحث عن الإمكانيات الكفيلة بالتوفر على مقر جديد يليق بنساء ورجال مهنة المتاعب وشركائهم من فعاليات المجتمع المدني، بهدف احتضان أنشطة متميزة، تستأثر بانشغال الرأي العام الوطني، والدولي وتوسيع قاعدته، وشركائه بالمؤسسات الصحافية والإعلامية.