خديجة قرشي
نظم نادي القراءة والكتابة بكلية الٱداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مؤخرا بشراكة مع رابطة كاتبات المغرب وبتنسيق مع شبكة القراءة بالمغرب وإشراف شعبة اللغة العربية وٱدابها، لقاءا ثقافيا مفتوحا استضاف فيه الدكتورة العالية ماء العينين أستاذة التعليم العالي بجامعة محمد الخامس وحكيمة رابطة كاتبات المغرب، لتقديم كتابها الأخير الموسوم بـ”التّبراع، نساء على أجنحة الشعر دراسة في الشعر النسائي الحساني“.
حضر هذا اللقاء مهتمون ومثقفون وأكاديميون وإعلاميون وطلبة لاستكشاف معالم الثقافة الصحراوية وسبر أغوار “التّبراع”، هذا النوع من الشعر الذي تميزت به المرأة الصحراوية على وجه الخصوص.
ويعتبر “ التّبراع ” شعرا نسائيا حسانيا بامتياز، وهو بمثابة الغزل، يتيح للمرأة مساحة شاسعة من الحرية للبوح والتعبير عن مكنونات الذات وعن العواطف الجياشة تجاه الرجل في سرية تامة وحرص شديد، لأنه يحمل من الجرأة ما لا تستطيع المرأة الصحراوية الكشف عنه في العلن وتختص به النساء في جلساتهن الحميمية المغلقة.
إلى جانب ذلك، ومن خلال الدراسات التحليلية التي قدمت المؤلَّف، والتي أعدها الطلبة الباحثون بكلية الٱداب والعلوم الإنسانية المهتمون بالشعر الحساني، فإن “ التّبراع ” يعتبر إرثا ثقافيا شعبيا شفهيا أبدعت المرأة الصحراوية من خلاله في نقل مشاعرها وأحاسيسها بجرأة تجاوزت فيها المألوف وخرجت عن التقاليد والأعراف؛ لذلك كان “التّبراع” لا يتعدى منطقة البوح السرية، بسبب رقابة المجتمع والسلطة الذكورية المحافظة التي تحظر على المرأة قرض هذا النوع من الشعر. لكن هذا الكتمان والحظر لم يحولا دون انتشار “التّبراع” وتداوله ليظل حيا وتظل صاحبته مع ذلك، مجهولة.
وقد اهتمت المرأة كذلك من خلال التّبراع بالتعبير عن مواقفها وأفكارها تجاه مجموعة من القضايا المجتمعية في محيطها وبيئتها مثل بعض الحروب أو الأزمات الاجتماعية التي تتفاعل معها بشكل كبير، بحيث لم ينحصر مضمون “التّبريعة” فقط في الغزل كما هو متعارف عليه، بل تعدّاه إلى تناول موضوعات من الواقع المعيش أو قضايا قومية كالقضية الفلسطينية؛ إذ اهتم الشعر الحساني النسائي بتاريخ فلسطين وأشاد بالمقاومة وبأطفال الحجارة.
إضافة إلى ذلك، فقد تميزت قراءات الطلبة الباحثين التحليلية لكتاب “التّبراع” بالتنوع والعمق، فقد تناولت هذه القراءات الكتاب بالدرس والتحليل من زوايا متعددة وأحاطت بمجموعة من الجوانب في الشعر الحساني كثقافة شعبية انتقلت من الشفهي إلى المكتوب والتعدد الثقافي واللغوي والنفَس الديني في شعر التّبراع وكذا الحمولة الموسيقية وجمالية الصورة الشعرية والدلالات النفسية والاجتماعية المرتبطة بتأليفه.
وفي كلمتها بهذه المناسبة التي تحتفي بشعر التّبراع، أشادت الدكتورة العالية ماء العينين بالدراسات والقراءات التي أعدها الطلبة الباحثون مؤكدة أن “التّبراع” ليس شعر غزل فقط، بل هو صوت المرأة الذي تعبر به عما تشعر به فكريا وعاطفيا واجتماعيا وسياسيا وتحدثت عن ارتباطها وعلاقتها بالشعر الحساني ودراستها لهذا النوع من الثقافة الصحراوية التي لم تبدأ إلا أخيرا. وعرجت المؤلفة على أولى محاولات التعريف بهذا الشعر في مرحلة سابقة، بدأت سنة 1970 على يد باحث من موريتانيا، ليتوالى بعد ذلك اهتمام الباحثين خاصة من أبناء “فضاء الثقافة الحسانية”، لتبرز منذ التسعينيات عدة دراسات أكاديمية سلطت الضوء على شعر التّبراع، إلا أنها كانت تفتقد إلى الضبط والتحقيق.
كما تطرقت الباحثة إلى فضاء الثقافة الحسانية أو المجال الجغرافي الذي يعيش فيه “مجتمع البيضان” وهم بيض البشرة ناطقين بالعربية (اللهجة الحسانية). ويمتد هذا المجال من وادي نون إلى نهر السينغال جنوباً ومن المحيط الأطلسي غرباً إلى مالي شرقاً. وأشارت الدكتورة ماء العينين كذلك إلى الفرق بين شعر “التّبراع” كشعر حساني نسائي خاص بالمرأة الصحراوية و”لَغنى”، وهو الشعر الحساني الغنائي المشترك بين المرأة والرجل.
حضرت هذا اللقاء أيضا، الشاعرة عزيزة يحضيه عمر رئيسة رابطة كاتبات المغرب التي أثنت على تجربة الدكتورة العالية ماء العينين الغنية وتحدثت عن دورها كباحثة في التعريف بالثقافة الحسانية وأبرزت جمالية ” التّبراع ” الذي برعت فيه المرأة الصحراوية وإن ارتبط في تمثلات وأذهان الكثيرين بالغزل فقط، وهي صورة نمطية وجب تصحيحها لأن هذا النوع من الشعر عرف تطورا، على الباحثين رصده وتتبعه.
وتجدر الإشارة إلى أن نادي القراءة والكتابة قد تأسس سنة 2018 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط بغية خلق قارئ مبدع عم طريق الملازمة الفعلية للكتاب وكذا نشر ثقافة القراءة والكتابة وتطوير أساليب التواصل المعرفي بين القراء.