كانت امرأة تحب الحياة..

بقلم: ليلى بوزير

الوقت ربما باكر، بما يكفي لأخاف، ومتأخر بما يكفي لأندم. منتصف العمر أو أوله، لا فرق، ففي هذه المسافة الرمادية بين ما كان وما سيأتي، أحاول أن أجيب عن سؤال: كم يمكث اسمي؟

ربما سيذكرونني ليومين، أو لثلاثة …شهر على أقصى تقدير… سيقولون إنني كنت “طيبة” و”محترمة” و”بنت أصل”، ولن يعلق أحد على أني كنت خائفة طوال حياتي، من الغياب أكثر من الموت.

لن يطلق اسمي على شارع، ولا على جائزة في الشعر، ولا على صالون تجميل في الحي.

سبقتني أسماء كثيرة إلى المجد: الخنساء بالبكاء، وولادة بنت المستكفي بالتحدي، ومي زيادة بالجنون. ..

لم يتبق لي، انا المتأخرة في طابور التاريخ، سوى أن أحفظ اقتباساتهن وأستشهد بها في منشورات المساء.

كنتُ أحلم أن يكتب اسمي في مكان ما، لا يهم إن كان كتابا أو مقالة أو حتى تغريدة صالحة لإعادة النشر، أن يبقى الأثر بعدي، ولو كظل لصوت نسائي مر من هنا.

لكن كل ما تركته حتى الآن فواتير ماء وكهرباء، ووصفات طبية لم تستعمل، وصور كثيرة على “الغوغل درايف” لا يفتحها أحد.

لم أكتشف قانون الجاذبية، ولم أبتكر دواء للزهايمر، ولم أكتب رواية تفوز بالبوكر.

أقصى ما أنجزته أني نجوت من زواج فاشل ومن أفكار انتحارية مهذبة، وأنني ما زلت أضحك رغم أن الأخبار في العالم كلّها لا تضحك.

كنتُ أظن أن الأمومة تمنح المرأة نوعا من الخلود، ثم اكتشفت أن الأطفال يكبرون ليعيدوا كتابة حياتهم وحدهم، من دونك، وأن أسماء الأمهات تذوب تدريجيا في خانة “الراحلة”.

لا أحد يتذكر النساء العاديات اللواتي يعشن حياة نصفها رتيب، ونصفها مؤجل.  تبقى مجرد اسماء معلقة في هواء اللغة..

الان في آخر الحلم، يكفيني أن يقول أحدهم بعد ألف عام:

“كانت امرأة تحب الحياة “.

 

Exit mobile version