The Wife: مجد معلن وتضحية صامتة

وراء كل نجاح يافِع ظلّ قد يُدفَن فيه إبداع آخر. هذا ما يكشفه فيلم The Wife، المقتبس عن رواية للكاتبة ميغ ووليتزر، في دراما هادئة لكنها جارحة، تتجاوز مجرد حكاية زوجية لتفتح أسئلة أعمق عن الكرامة، الهوية، ومكانة المرأة داخل مؤسسة الزواج والمجتمع.

الفيلم يقودنا إلى عالم “جون كاسلمن”، الكاتب الأمريكي اللامع المرشح لجائزة نوبل، وإلى زوجته “جون” (غلين كلوز) التي تظهر في البداية كظل داعم لنجاحه، قبل أن يتضح أن هذا البريق لم يكن ممكناً لولا موهبتها هي، التي تنازلت عن صوتها الأدبي لصالح اسمه. إنها حكاية تنازلات طويلة، صمتت فيها المرأة كي تترك للرجل واجهة المجد، بينما احتفظت لنفسها بالمرارة.

قوة الفيلم تكمن في التفاصيل الدقيقة: نظرات محمّلة بالأسى، صمت يثقل الأجواء أكثر من أي حوار، ولحظات صغيرة تتحول إلى شهادات على سنوات من الإنكار الذاتي. جائزة نوبل تمثل الذروة الدرامية؛ لحظة يُفترض أن تكون فخرًا عائليًا، لكنها تنقلب إلى مرآة للهوة بين المجد العلني والظلال التي سُجنت فيها الزوجة.

رمزية The Wife لا تقتصر على القصة الفردية، بل تطرح تساؤلات إنسانية كبرى:

إلى أي حد يمكن أن يعيش الفرد حياته في خدمة الآخر؟

هل الصمت تضحية أم شكل خفي من أشكال الأسر؟

ومتى يتحول الصمت الطويل إلى قوة داخلية تُفجَّر في مواجهة أخيرة؟

شخصية “جون” ليست مجرد زوجة صامتة، بل تجسيد لمصائر نساء كثيرات محتهن اللامرئية الاجتماعية، حين قدمن أحلامهن قربانًا لنجاح شركائهن. وهنا تتجلى القيمة النسوية للفيلم، في حديثه عن الاعتراف والعدالة العاطفية داخل الزواج.

الأداء المذهل لغلين كلوز هو قلب الفيلم؛ إذ تنسج شخصية معقدة تجمع بين الألم المكبوت والكبرياء الجريحة والصلابة الناضجة. تعبيراتها الصامتة أبلغ من الصفحات، وتجعل من كل نظرة مواجهة مكتومة مع الآخر. في المقابل، يقدّم جوناثان برايس زوجًا متخمًا بالأنانية وبريق الجوائز، في دور يُجسد ذكورية مغلّفة بسحر الأدب.

فنياً، يراهن المخرج على إيقاع هادئ خالٍ من الضجيج الميلودرامي، مع سيناريو رشيق يترك فراغات مقصودة للتأمل، ولقطات مقربة تمنح وزناً للصمت أكثر من الكلمات. هذه الخيارات تجعل المشاهد شريكًا في التجربة، لا مجرد متفرج.

في النهاية، The Wife ليس فقط قصة عن زواج خلف واجهة براقة، بل شهادة سينمائية عن ثمن التضحية وعن بحث المرأة عن ذاتها وسط عالم يعترف غالباً بالنجاح العلني فقط. إنه فيلم يذكّر بأن الاعتراف ليس منّة من الآخر، بل حق تنتزعه الذات حين ترفض أن تذوب في الظل.

الفيلم أُنتج سنة 2017، صادفته مؤخراً، واكتشفت أنه من تلك الأعمال النادرة التي لا يحدها زمن ولا مكان. إنه فيلم يخاطبك مباشرة، كأنه يُعرض اليوم من قلب واقعنا، لأنه يطرح قضايا إنسانية ونسائية صالحة لكل المجتمعات: عن الصمت، والتضحية، والبحث عن الاعتراف. من اللحظة الأولى، شعرت أنني أمام تجربة سينمائية آسرة، جعلتني أطرح أسئلة شخصية وعميقة حول معنى العيش في ظل الآخر، وثمن الأحلام المؤجلة.

إنه عمل مؤثر، يترك المشاهد أمام سؤال صعب: كم من “جون” أخرى تعيش بيننا اليوم، صامتة، بينما يصفق العالم لإنجازات نُسبت لغيرها؟

Exit mobile version