“والله إن هذه الحكاية لحكايتي”

رحلة في سماء الحكاية..

رحلة الصيف مع عبد الفتاح كيليطو

بقلم: مريم أبوري

الصيف هو فصل الترحال والسفر والسياحة، وأجمل الرحلات قد تكون تلك التي تقودنا بين صفحات رواية، تحملنا إلى عوالم ساحرة، وتعيدنا إلى أجواء “ألف ليلة وليلة” وحكايات الجنيات. كأننا نُسافر مع السندباد الذي حلمنا به صغارًا، ونرافق عصفورته “ياسمينة”، الفتاة الجميلة التي حُوّلت إلى عصفورة في عالم لا يُعترف فيه بالمعقول.

في هذا السياق، تأتي رواية “والله إن هذه الحكاية لحكايتي” للكاتب والناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو، لتأخذنا في رحلة لا تقل سحرًا عن حكايات الطفولة. رواية تُحلق بك منذ اللحظة التي تقع فيها عيناك على الغلاف: امرأة طائرة، وكأنها تخلّصت من قيد خفي، تطير نحو حريتها. نسائم الريح تُموج شعرها الطويل، وهي تمد ذراعيها للفضاء، في مشهد يثير فيك رغبة الاكتشاف.

لون الغلاف الأخضر الهادئ يُضفي راحة على النفس، والعنوان المكتوب باللون الأبيض-سيد الألوان- يزيد من رغبتنا في فتح الرواية بسرعة، لمعرفة قصة هذه المرأة الطائرة.

من صاحبة القَسَم؟ هل هي تلك المرأة؟ أم شخصية أخرى في الرواية؟ أم هو الراوي نفسه من يُقسم أن هذه الحكاية… حكايتُه؟

نبدأ الرحلة مع هذه المرأة التي ترتدي معطفًا من الريش، وتحمل أطفالًا بينما تطير، بعد أن ودّعت حسن الذي استفاق من نومه ليُصدم بطيرانها. هكذا تبدأ الحكاية، وتأخذنا إلى عصر حسن البصري، الذي تعبر شخصيته الزمن حتى تحلّ في جسد حسن ميرو، في زمننا الحالي. عالم الجنيات حاضر بقوة، حيث لا يُفترض بالرجال أن ينظروا إليهن كي لا يُفتنوا بجمالهن ويُفقدوا عقولهم. ومع ذلك، يقع حسن البصري في حب واحدة منهن، ويسرق منها “سلاحها” – معطف الريش- لكنه يُهزم في النهاية حين تسترجعه وتطير مع أطفالها، عائدة إلى عالمها، دون رجعة.

وفي قلب هذا السرد، تبرز مكانة كتاب “مثالب الوزيرين” لأبي حيان التوحيدي، كعنصر محوري في الرواية، بل كـ”بطل حقيقي” يُرعب حسن ميرو، فيتراجع عن إتمام أطروحته الجامعية حول التوحيدي وكتابه، خوفًا من لعنة يُقال إنها تُصيب كل من يقرأ الكتاب أو حتى يقتنيه دون قراءته، كما زعم القاضي ابن خلكان، أول من روّج لهذه اللعنة.

الرعب لم يصب حسن ميرو وحده، بل امتد إلى الباحث الأمريكي “موريس”، الذي قيل إن غجرية حذّرته من أن موته سيأتي بعد كتابه الثالث… وكان الثالث هو ترجمة “مثالب الوزيرين”.

ينهي القارئ الرواية وقد تملكه نوع من التوجس، بين رغبة في اقتحام عالم “مثالب الوزيرين” وقراءة هذا الكتاب الملعون، وبين تردد وخوف قد لا يفارقه حتى بعد طي الصفحة الأخيرة.

العنوان في ذاته قسمٌ، دعوةٌ من الراوي لتصديق الحكاية، رغم ما تحمله من تقاطعات بين الواقع والخيال، بين الماضي والحاضر، بين الحكاية والحكاية الأخرى.

رواية مشوقة، ممتعة، تدفعك للغوص في عوالم بعيدة، تذوب الحدود بين الزمان والمكان، وتؤكد مرة أخرى، أن عبد الفتاح كيليطو لا يكتب الرواية، بل ينسجها كما تُنسج الحكايات الكبرى… على مهل، ودهشة.

Exit mobile version