بسمة نسائية/ حوار/ عزيزة حلاق
عبد العزيز العبدي… قلم لاذع وعقل ثاقب يمزج بين السخرية والعمق في قراءته للواقع. بأسلوب فريد لا يخلو من الجرأة، يقتنص التناقضات ويكشف المستور بذكاء، ما يجعله محط أنظار متابعيه الذين يترقبون تعليقاته النارية على قضايا المجتمع والسياسة. وما يجعل تدويناته وتعليقاته على الأحداث، جذابة ومؤثرة بشكل خاص..
العبدي ليس مجرد كاتب، بل “كائن فيسبوكي فاعل ومؤثر بامتياز”، يحوّل تفاعله مع جمهوره إلى ساحة للنقاش الحي، حيث يرد بلمسته الساخرة والمباشرة، واللاذعة أحيانا، فيخلق حالة من التواصل الفريد الذي يجعل متابعيه في انتظار دائم لما سيبدعه قلمه، سواء في تحليلاته أو أعماله الأدبية التي تضيف بعدا إضافيا متميزا للمشهد الثقافي.
في هذا الحوار توجه “بسمة نسائية”، مجموعة من الأسئلة، سنحاول من خلالها أن نتقرب من شخصيته، هو الذي يعرف نفسه بأنه مواطن مهزوم…فهل الهزيمة قدر أم وعي؟
و بمناسبة إصداره لروايتين ” المغتصبة ” و” حريق الدم” سنحاول أن نغطي بعض الجوانب المتعلقة برؤيته للكتابة، وعلاقته بشخوصه، واختياره للتوزيع الذاتي.
**********************
أصمت كثيرًا حين تأخذني القراءة بعيدًا عن الكتابة…
كأنها صدى يعود إليّ، يدفعني للاستمرار في ارتكاب “حماقاتي” التي لا أخجل منها
عبد العزيز العبدي
*****
الكتابة والهوية الأدبية
عبد العزيز العبدي، اسم يصعب تصنيفه، أنت صحفي، لكنك لا تقف عند حدود المهنة، وكاتب، لكنك تكسر قوالب الكتابة التقليدية.
ورغم ذلك، يتفق متابعوك وقرّاء أعمالك الأدبية على أنك مختلف، متفرّد في كل شيء، مبدع حقيقي.
سؤال: كيف تصنف أنت نفسك؟ هل تعتبر نفسك كاتبًا بالمعنى التقليدي للكلمة، أم تفضل أن تُعرّف نفسك بطريقة أخرى؟
* أولا لست صحفيا، للصحفي محددات قانونية، تتمثل في البطاقة المهنية وشروطها، وله محددات مهنية وهي الممارسة داخل مؤسسة إعلامية مقابل أجر أو ما شابه.
كاتب؟ نعم، كنت أتهرب من هذا التوصيف، لكن لا يمكن نكرانه مع تراكم ست إصدارات روائية. صراحة لا أعرف ما هي محددات الكتابة التقليدية حتى أدعي أنني أكسرها، أنا أكتب فقط، أكتب بذاتي دون معارضتها بما يُكتب حولي.
أعرف نفسي بأنني مواطن مهزوم، من سوء حظه أنه لم يجد وسيلة للتعبير عن ذاته وهزيمته غير الكتابة، وهي وسيلة حقيرة خلافا لما ينسخ حولها من هالة كاذبة.
سؤال: لديك آلاف من المعجبين والمتابعين على منصة الفايسبوك، ولك تأثير كبير على قرائك، فمن أين يأتي كل هذا الإقبال؟ رغم أنك ترى أن ما تكتبه مجرد “تخربيق” و”حماقات”؟
* لأن الناس، في وضعية اليأس وانسداد الأفق والعجز وقلة الحيلة، لا يجدون غير التخربيق والحماقات ليتابعوها، وضدا على رغبتي وجدت نفسي أجسد هذا الملجأ.
سؤال: ماذا تعني لك الكتابة؟ هل تراها مجرد وسيلة للتعبير أم أنها تمثل شيئًا أعمق في حياتك؟ ومتى أدركت أنك تمتلك صوتًا أدبيًا يستحق أن يُسمع؟
* الكتابة فعلٌ مهم في حياتي بالتأكيد. صوت أدبي يستحق أن يسمع؟ هو تقدير منك أنا ممتن لك به. لا أسعى لأن أكون صوتا أدبيا يسمع، أسعى إلى التخلص من لوثة الأفكار التي تحاصرني، وأفعل ذلك بالكتابة.
سؤال: في فترة قصيرة ومتزامنة، أصدرت عملين “المغتصبة” و ” حريق الدم“.
ما سر هذه الملكة الخارقة في الكتابة؟ (نقول تبارك الله حتى لا نصيبك بالعين)، وكيف يمكن لك أن تتعامل مع شخوص روايتين في الوقت نفسه، وكيف تتشكل شخصياتك في مخيلتك؟ هل تأتيك جاهزة أم تتطور تدريجيا؟
*بنبرة ساخرة يجيب: أولا (جوابا على نقول تبارك الله حتى لا نصيبك بالعين) خمسة وخميس، وعين الحسود فيها عود
لم يسبق لي التعامل مع شخصيات روايتين في الوقت نفسه، رواية: “حريق الدم ” لاحقة، ولو بزمن جد قصير، على رواية “المغتصبة، سيرة فاطمة المسارية”. أعترف أنه لي قدرة على الكتابة المتواصلة لمدة ساعات ولمدة أيام بدون انقطاع، لا تفسير لي لهذه الظاهرة، ربما لأنني وحيد، أعيش وحدة عميقة رغم كل الضجيج الذي يبدو لك في الفايسبوك.
شخصيات الرواية تحدد سلفا، وتحدد أدوارها بشكل مقتضب، لكنني لا أتحكم في مساراتها داخل الرواية. الشخصية تقودك إلى كتابتها وليس الروائي من يقودها إلى مساراتها.
* تلتقي تيمة الاغتصاب في الروايتين، هل كان ذلك صدفة أم عن سبق إصرار وترصد؟
الاغتصاب فعل شنيع، في بعده الجسدي المحض او في بعده الرمزي والسياسي. اكتشفت بأن حالات الاغتصاب المحيطة بي كثيرة، واكتشفت بأن مغتصبين يتمتعون بوضعيات اعتبارية، سياسية واقتصادية وفكرية. لا أدعي النضال ضد هذه الأفكار، الكتابة حولها وعنها هو تقيؤ أحاول أن أخفف به غضبي.
سؤال: وهل تفكر جديا في ثلاثية حول الاغتصاب، بناء على خبر غريب، كنت قد نشرته على صفحتك يتعلق بحادث اغتصاب المعز ببلدة اسبانية من قبل مهاجر مغربي؟ un fait insolite
* كانت فقط مزحة، لكن من يدري، أنا بصدد مشروع رواية آخرى بعنوان مونديال، أنهيه ويكون خير.
سؤال: ما هو أقصى تعبير وصل إليك في إطار رد الصدى عن رواية “المغتصبة؟ وكيف تعاملت معه؟
* رواية “المغتصبة” لاقت تفاعلا كبير وردود افعال مختلفة، من الجميل إلى المثير. أجمل رد فعل كان لقارئة حين كتبت: قد تأتي العدالة على شكل رواية.
الرد فعل المثير تجسد في حكايات الاغتصاب التي تعرضن لها صديقات عديدات في طفولتهن او في شبابهن، وحكينها لي في الخاص، مادة دسمة لكتابة أدانه لهذا الفعل الجرمي.
سؤال: تتميز كتاباتك بالجرأة، هل تواجه صعوبات أو انتقادات بسبب ذلك؟ وكيف تتعامل معها؟
* لا أعتقد أن كتاباتي جريئة، الجرأة في البلد تؤدي إلى السجن. بعض الاختلافات غير المؤدبة أواجهها بحذف أصحابها من الفايسبوك، ومريضنا معندو باس.
سؤال: هل ترى في شخصياتك انعكاسًا لك، أم أنها كيانات مستقلة عنك تمامًا؟
* أعتقد أنه لا علاقة للشخصيات بي، ومع ذلك هناك بعض التماهي، في رواية “حريق الدم” قيل أنني أشبه إيميليو، الشيوعي النبيل، وفي “طرسانة” قيل أنني أشبه علال، الأسير المثقف… هي تقديرات لا غير .
سؤال: هل سبق وأن فاجأتك إحدى شخصياتك باتخاذ مسار لم تكن تخطط له أثناء الكتابة؟
*نعم، لم أكن أخطط لانتحار سلوى في رواية “حريق الدم”، لكن انتبهت أنه لا يمكن لها ان تلد طفلا مشوها أخلاقيا واجتماعيا.
سؤال: هل تعتقد أن الكاتب مسؤول عن إرضاء الجمهور، أم أن عليه فقط أن يكون صادقًا مع نفسه؟
* لا يمكن الكتابة والنشر بهدف إرضاء الجمهور، بل بالعكس، على الكتابة ان تزعج الجمهور، أن تخرجه من حالة الرضى ومن منطقة الرفاهية إلى جحيم السؤال والعقل النقدي ..
سؤال: كيف ترى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الكتابة؟ هل تشجع على حرية التعبير أم تفرض رقابة غير مباشرة؟
* مواقع التواصل الاجتماعي ابنة بيئتها، إذا كان الفضاء العام يشجع على حرية التعبير فوسائل التواصل المرتبطة بهذا الفضاء تقوم بنفس الدور، ولك أن تعقدي المقارنة مع فضاءنا العام للنقاش.
سؤال: لماذا اخترت التوزيع الذاتي لأعمالك بدلًا من النشر التقليدي؟
* المسألة بسيطة جدا، كان الأمر على إثر خلاف مع دار توزيع غير مهنية وجشعة، ثم لم أبحث بعدها عن توزيع مؤسساتي. مكنني الأمر من خلق تفاعل أدبي مع القراء، وهذا باعث على الفرح والسرور.
ومن باب التوضيح أكثر، سأحكي لك ما حدث بالتفصيل الممل إن أردت ( يضحك…)
طبعا، تفضل هي مغامرة تستحق أن تروى؟
*في عملية التفاوض حول طبع كتاب ما، لا يهتم صاحب المطبعة بالقيمة الأدبية أو العلمية لكتابك، الأمر عنده سواء، إن كان الكتاب حول طرق طهي الباذنجان المختلفة أو رواية أدبية…
المهم عنده هو عدد صفحات الكتاب، أبعاده وقياساته بالسنتيمترات، نوع الورق ووزنه بالغرامات، وطرق الأداء…
تتفقان حول هذه الأمور، وتقولان “على بركة الله”، ويتم الطبع…
هنا الكتاب يتجرد من هويته الإبداعية والفكرية ليتقمص هويته الحقيقية: سلعة من سلع السوق الرأسمالية التي على ثمنها أن يفي بدوره الاقتصادي: تغطية تكاليف الطبع، وتحقيق
هامش الربح للمغامر الذي باشر عملية الإنتاج هذه.
حينها ننتقل إلى الضفة الأخرى من العملية الاقتصادية، توزيع وبيع الكتاب…
تقع عملية التفاوض خارج المحددات الأولى، فالقارئ/المقتني للكتاب لا يسأل عن عدد النسخ المطبوعة كما فعل صاحب المطبعة، وقليلاً ما يرهن قرار شرائه للكتاب بأبعاد هذا الأخير بالسنتيمترات، ولا بنوعية الورق وجودته، على أهميتهما…
عملية التفاوض تُبنى على توقعات فنية وأدبية متوخاة من هذا الكتاب، سواء أكان رواية أم منتجاً علمياً…
هذا التنافر أو التباعد بين محددات إنتاج الكتاب ومحددات اقتنائه هو ما يعكس أزمة القراءة بشكل من الأشكال…
خضت تجربة كتابة وطبع وتسويق رواية “المغتصبة”، سيرة فاطمة المسارية، عبر كل محطات السالفة الذكر، والأمر نفسه خضته مع رواية ” حريق الدم”..
سؤال: هل أنت مرتاح لنتيجة هذا الاختيار وهذه الطريقة في التوزيع؟
*نعم، أجد نفسي مرتاحا، بل مغتبطاً لنتائجها، الأدبية على الأقل، بالنظر إلى ردود الفعل الإيجابية، والمادية بشكل من الأشكال، إذ حققت عملية التوزيع نوعاً من التوازن المالي بين تكلفة الطباعة والعائدات، باحتساب دعم بعض الأشخاص الذين فوجئت بحجم سخائهم. فإنها في المقابل أظهرت لي هذه التجربة جوهر أزمة القراءة أولاً، فالناس تعزف عن القراءة لأنها في جزء ما لا تجد ما تقرأ، وهنا أستحضر حالات أصدقاء ومتابعين اعترفوا أنهم لم يقرأوا كتباً وروايات منذ سنوات، وكيف التهموا رواية “المغتصبة” في دفعة واحدة…
وأظهرت لي أيضاً عمق النفس السيئة والكريهة لدى المثقف المتعالم تجاه حاضنته الأساسية من متابعيه، وتجاه من خرج عن الطوع ودشّن لنفسه مساراً مختلفاً، قد لا يكون الأمثل ولا الأجود، على مستوى الكتابة والتفاعل مع القارئ بشكل عام…
أجدني فخوراً إلى حد الغرور بهذه التجربة الفريدة، وآمل أن تتم المصالحة عبر هذه الفضاءات الافتراضية بين الكتاب وقرائهم…
سؤال أخير خارج السياق: يبدو أن الكتابة والحديث عن اصداراتك الجديدة أنستك قطتك نهضة وروتينك اليومي معها…
بالمناسبة أش اخبارها؟
*نهضة حاضرة في يومي، نحن رفاق في الشقة، أعتني بها بشكل جيد، وتمنحني طاقة إيجابية بكرم حاتمي.