قراءة في” Lettre à mon Ego ” للكاتبة فاطمة مقداد

"رسالة إلى الأنا" عن الاغتراب والصراع الداخلي..

عقب حفل توقيع النص المسرحي الذي صدر بالفرنسية بعنوان “Lettre à Mon Égo” للدكتورة فاطمة مقداد، تلقت الكاتبة، رسالة من الدكتور والكاتب والمخرج عمران الوطني، تضم قراءة في هذا العمل، تنقلها “بسمة نسائية” لكل غاية مفيدة.

الصور من حفل توقيع هذا العمل المسرحي، ببهو مسرح محمد الخامس بالرباط، يوم 17 فبراير المنصرم. وتولى تقديم الحفل وتنشيط اللقاء الناقد أنس العاقل.

الرسالة من توقيع الدكتور والكاتب والمخرج عمران الوطني

كل الشكر لكِ على منحي هذه الفرصة الإبداعية. كان لي الشرف بأن أكون جزءا صغيرا من هذا العمل المسرحي المونودرامي الرائع، الذي يتناول صراعا داخليا عميقا ومؤثرا.

إن شخصية “صوفيا” تمثل نموذجًا معاصرًا لظاهرة “الأنا” كما ناقشها إميل دوركايم في مفهوم “الاغتراب الاجتماعي” (Anomie)، حيث يواجه الفرد تحديات تتعلق بمواءمة ذاته مع المعايير الاجتماعية المتغيرة.

صوفيا، كمثال على الأفراد الذين وصلوا إلى قمم النجاح المهني، تعيش في حالة من التوتر الداخلي نتيجة لهذا الانفصال بين تطلعاتها الشخصية وواقعها الاجتماعي. هذا الاغتراب يشير إلى الفجوة بين توقعات الذات والأعراف الاجتماعية، ما يؤدي إلى اضطراب في الهوية وتفكيك التوازن النفسي.

أما فيما يتعلق بثنائية “الموطن المادي” و”الموطن النفسي”، فإن جورج هربرت ميد يقدم لنا إطارًا مفهوميًا حول العلاقة بين الذات والآخر في عملية تكوين الهوية الاجتماعية. يُظهر النص كيف أن التفاعل الاجتماعي يُشَكّل الأفراد في فضاءاتهم المادية ويؤثر في أنماط تفكيرهم وإحساسهم بالذات. هذه الثنائية التي تبرز في رحلة صوفيا تمثل صراعًا بين العوامل الخارجية التي تحدد مسارها المهني والداخلية التي تشدها نحو تأمل الذات.

اللحظات التي تمر بها صوفيا خلال تطور الصراع، حيث تحاول تطويع الأنا وإعادة التوازن بين حاجاتها الذاتية وطموحاتها، تعكس الإطار النظري لـ إريك فروم في “الحرية المزعجة” الذي يعبر عن القلق الناتج عن العزلة الفردية الناتجة عن تحرر الإنسان من القيود التقليدية. صوفيا، في سعيها لفهم جذور أناها، تعيش هذا الصراع الوجودي بين الحاجة إلى الاستقلال الداخلي وبين التحديات المترتبة على النجاح الاجتماعي.

في ذات السياق، يُمكّننا بيير بورديو من فهم العلاقات المعقدة التي تؤطر حياة صوفيا من خلال مفاهيم “الحقل الاجتماعي” و”رأس المال الرمزي”. التوتر بين الفرد ومحيطه المجتمعي يظهر بوضوح في رغبة صوفيا في التكيف مع قيم المجتمع، بينما تسعى لإعادة بناء ذاتها وتحريرها من الأنساق الاجتماعية التي تحد من نموها الشخصي.

أخيرًا، إن مفهوم ماكس فيبر عن “عقلانية الحياة الاجتماعية” يمكنه أن يضيف إلى فهمنا لصراع صوفيا الداخلي. فيبر يشير إلى أن تزايد العقلانية في المجتمعات الحديثة يؤدي إلى تشبع الأفراد بالقيم البيروقراطية والتنظيمية، ما قد يقيد الحرية الفردية ويؤثر على التوازن الداخلي. صوفيا هي تجسيد لهذه الظاهرة، حيث تعيش في بيئة عقلانية تشدها إلى حدود، وتُقلل من قدرتها على التعبير عن ذاتها الحقيقية.

أهنئكِ على هذا العمل المسرحي الفريد، الذي يتناول قضايا الاغتراب والصراع الداخلي في سياق اجتماعي معاصر. إن النص لا يقتصر على تقديم قصة شخصية، بل يفتح أمام الجمهور مساحة للتأمل في معاناتهم الشخصية وكيفية تأثير الهويات الاجتماعية على تشكيل مسارات حياتهم.

أتطلع بشوق لرؤية هذا النص يتحوّل إلى عرض مسرحي يتجاوز الترفيه ليصبح تجربة تأملية وفكرية تُلامس وجدان الجمهور وتُثير فيهم رغبة إعادة النظر في ذواتهم.

 

Exit mobile version