“العين ترنو..والكلمة تشاء” في زمن”اليد تلمس والكلمة تنكمش”..

 أحمد الطاهري: صحفي أنيق الروح والأسلوب عدو الابتدال والتفاهة

بسمة نسائية/ عزيزة حلاق

في زمنٍ طغت فيه السرعة على الدقة، والتفاهة على العمق، يعود إلينا الكاتب والصحفي أحمد الطاهري، بكتابه الجديد “العين ترنو .. والكلمة تشاء”، ليحيي روح الصحافة الحقيقية التي كانت يوماً مرآةً ناصعةً للواقع، لا مجرد انعكاس باهت له. في صفحات هذا الكتاب، نجد أنفسنا في حضرة صحفيٍ لم يكن مجرد ناقل للأخبار، بل شاهدا حصيفا، ومحللا دقيقًا، ومهنيًا رفيعا يُدرك أن الكلمة مسؤولية، وأن الصحافة ليست مجرد عناوين براقة، بل رسالة سامية.

بأسلوبه الأنيق وعدائه للابتذال، كما قال عنه الزميل عزيز لمسيح، وحنكته التي صقلتها التجربة، يعيدنا الطاهري إلى الزمن الذي كانت فيه الصحافة سلاحًا للوعي، لا أداةً للتسطيح والابتذال.

ولعل لقاء الأمس، الذي نظمته شبكة المقاهي الثقافية بالمغرب، كان خير دليل على أثر هذا الكتاب وأهمية طرحه، حيث اجتمع نخبة من زملاء الكاتب بوكالة المغرب العربي للأنباء، وأصدقائه، إلى جانب شخصيات بارزة من عالم الإعلام والثقافة والفن، في أمسية استثنائية خصصت لقراءات معمقة في محتوى الكتاب ومضامينه الثرية. كان الحوار غنيًا، والنقاشات شاهدة على توقٍ حقيقي لعودة الصحافة إلى مجدها الأصيل. واختُتم اللقاء بحفل توقيع حميمي، زاده هذا الحضور النوعي تألقًا، ليؤكد مجددًا أن الكلمة الصادقة لا تزال تجد لها صدى في قلوب من يقدرون قيمتها ومعناها.

 *نور الدين أقشاني رئيس الشبكة:

في كلمته الترحيبية، استحضر أقشاني لقاء العام الماضي، حيث قدّم المحتفى به اليوم، أحمد الطاهري، قراءة في كتاب الزميلين نزار الفراوي وعزيز لمسيح حول ج”امعة ظهر المهراز فا”س، وكان ذلك في نفس الفضاء (مقهى ميلانو بالرباط). كما أشار إلى أنشطة الشبكة التي افتتحت موسمها الحالي لعام 2025 بلقاء مع الكاتب والباحث الصحفي عزيز كوكاس بمدينة القنيطرة، معلنًا عن استضافة الإعلامية أسمهان عمور في اللقاء القادم وقراءة في كتابها “نكاية في الألم”..

*نزار الفراوي:

من مقتطف المقدمة التي كتبها الصحفي والكاتب، نزار الفراوي، نشرت في الغلاف الخلفي للكتاب، يقول:” إن صدور هذا الكتاب لحظة احتفالية بالنسبة لجمع واسع من النخبة الثقافية والإعلامية التي ينتمي إليها الرجل” أحمد الطاهري)، دون إعلان أو استعراض، بحسه الأدبي قارئا وكاتبا، وتفاعل معها صحافيا، متابعا حصيفا ومهنيا رفيعا، سواء داخل المغرب أو في العواصم التي عمل مراسلا وأنمى فيها علاقات ود وتقدير في الوسطين الإعلامي والثقافي”.

وأضاف نزار:” إنه لتشريف لا يخلو من ورطة أن أذيل اسمي في تقديم هذا الكتاب، إذ كيف للتلميذ أن يوقع في سفر المعلم، لمنها مناسبة لأنوب فيها عن الرفاق المنتظرين قائلا: لقد استحق الأمر أن نلح في الطلب، لنظفر بهذه الباقة من كل الألوان والنكهات، نصوصا تكتب زمنها بحرقة المسكون بإنسانية تترنح على جرف هار، وهشاشة الملتاع بعصف الفقدان والغياب ودفئ ما تبقى من مساحات الجمال والشعر والفن والصداقة، وصدق الشاهد الذي لا يهادن عصره المثخن بالأعطاب الاجتماعية والسياسية والأخلاقية”.

*الباحث السوسيولوجي عزيز الأزرق:

الأستاذ الأزرق قال في كلمته عن تجربة الطاهري، هي تجربة جديرة ان تدرس في الجامعة، وفي المعهد العالي للصحافة. واعتقد بان وكالة المغرب العربي للأنباء وكل المعنيين بالصحافة، كم ارجو ان يحتفلوا بهذا الكتاب وأن يعطوه مقامه الذي يستحقه مديحا للصحافة الجيدة. لكي لا يتم استصغار مهمة ومهنة الصحافة كما هو واقع اليوم، ولكي لا يتم الاستهانة بحرفة وحرقة الكتابة. كما يفعل بعض الكتبة اليوم. ولكي تفتح عين المنتسبين للصحافة على معنى آخر للكتابة الصحفية الجادة.

وبخصوص زمن الكتاب، أثار المتحدث مفارقة قوية حين قال:” العين ترنو..والكلمة تشاء”، أتى في زمن يتميز باليد تلمس والكلمة تنكمش.

الطاهري يضيف ذ. الأزرق، دون رحلاته المهنية والثقافية، جاعلا من عيون رواحل أسفاره عينه ومن صوت قراءاته صوته، لا يقلد أحدا، بل أصر على جعل العين ترنو والكلمة تشاء، فكان أشبه بما قاله أبو الطيب المتنبي:

عيونُ رَواحِلي إِن حُرتُ عَيني

وَكُلُّ بُغامِ رازِحَةٍ بُغامي

فَقَد أَرِدُ المِياهَ بِغَيرِ هادٍ

سِوى عَدّي لَها بَرقَ الغَمامِ

عندما قرأت النصوص السردية يضيف ذ. الأزرق، تبين لي أننا في بعض النصوص، قد نقلب فيها الأدوار، تصبح العين هي التي تتكلم والكلمة هي التي تلتقط، فالعين الساردة والكلمة الشاهدة.

*أحمد الطاهري:

كلمة الطاهري كانت نعيًا مشحونًا بالألم والتأثر، حديثًا عن الفقد وسؤال الموت. بروح يثقلها الحزن، استعاد لحظة رحيل صديقه عبد الإله البقالي، ذلك الرحيل المفاجئ الذي اختطفه وهو في حضرة الأصدقاء، في جلسة حميمية على مائدة العشاء. قبل أن ينصرفوا، توجه البقالي إلى بيت النظافة، وهناك صمت قلبه إلى الأبد.

هذا الحدث يقول الطاهري، يطرح السؤال الأزلي: الموت.. كيف يفاجئنا ونحن في غمرة الحياة؟ نحن نكتب ونقرأ، نتأمل في موتنا، نواسي هشاشتنا، نعبث بما تبقى منا في هذه الدار الفانية. وفي النهاية، نحن لا نعزي غير أنفسنا، قبل أن يحين موعد الرحيل، قبل أن ننسحب من الزمان والمكان، كأننا لم نكن.

**في لحظة الوداع الأخيرة، كتب شاعر الجنوب، محمد شمس الدين، كلمات تختزل حقيقة الفناء:

“عليك أن تغادر المكان، عليك أن تغادر الذين طالما ألِفتهم، كُرسيك الذي جلست فيه، مهد أمّك التي رأتك فيه مثل نجمة الزمان، ونِسرك الذي تحبّ أن تكون مثله.. عليك أن تذوب في المدى كنقطة الدخان، وأن تغيب في البحار، لا صدى، ولا تعود..”. **

الكتاب

يحتوي الكتاب على مختارات من مقالات وتقارير صحفية ونصوص سردية تتطرق لقضايا سياسية وثقافية ومجتمعية مختلفة، داخل المغرب وخارجه وخصوصا بالدول العربية الثلاث التي اشتغل بها مراسلا لوكالة المغرب العربي للأنباء ( و.م.ع)، وهي الجزائر ولبنان والبحرين.

خاتمة

لقاء الأمس، كان لحظة أكدت أن الصحافة الحقيقية لا تزال تجد صداها، إذ يبقى شغفنا بكلمة صادقة وقلم نزيه حيًا لا يخبو. نحن لا نبحث عن مجرد أخبار متداولة، بل عن صحافة تحمل رسالة، تتابع الأحداث بعمق، وتضيء العتمة بالفكر والتحليل. هذا العطش لما هو حقيقي وأصيل هو ما يجعلنا نحتفي بكل صوت يعيد للصحافة مجدها، ويمدّنا بالأمل في أن الكلمة الصادقة لا تزال قادرة على الصمود، رغم كل هذا الضجيج في زمن التفاهة.

Exit mobile version