بسمة نسائية/ منبر بسمة
بقلم: عبد الرفيع حمضي
حول مائدة سَمَكِية بامتياز مع صديقين زميلين بمطعم، جميل، ببساطته ونظافته، وسعره، بحي ” تالبورجت” بعاصمة سوس العالمة، هذا الحي تم تشييده بعد زلزال فبراير 1960، وقد روعي في معماره الحفاظ على بعض خصائص الأحياء العتيقة، خاصة وأن إعادة إعمار أكادير تم وفق رؤية سائدة في التعمير آنذاك، تسمى (المدن الوظيفية villes fonctionnelles ، )أي إعطاء لكل منطقة وظيفة معينة.السياحية معزولة عن السكنية والتجارية عن الإدارية والصناعية.
وهي مقاربة جاءت خلاصة لدراسة أطلق عليها (ميثاق أثينا ) la charte d’Athène لرائدها Le CORBUSIER
وما دام أن الدردشة أثناء تناول الطعام تعطيه نكهة خاصة أي ” حديث ومغزل”. فقد فاض بنا الكلام عن المدينة التي أصبح يبرز في الأفق بهائها وأنت تزور أوراش أشغال التهيئة الحضرية المنتشرة بكل ارجاء اكادير، حتى وإن كانت المسافة لازالت في منتصفها. لكن احتضانها في هذه الأيام للدورة الخامسة للأبواب المفتوحة، التي تنظمها الإدارة العامة للأمن الوطني، جعل العجلة تدور بسرعة أكبر.
ومما لا شك فيه، أن فتح الأبواب للمواطنين للاطلاع على جزء من العمل الشرطي، ليست رغبة لحظة، وإنما تتويج لمسلسل إصلاحي من جهة ورسالة واضحة من جهة اخرى، للتحول الذي عرفته ولازالت هذه المؤسسة الأمنية، والتي يعتبر قرار إحداثها بظهير ملكي يوم 16 ماي 1956 ،من القرارات السيادية الاولى التي تم اتخاذها مباشرة بعد استقلال البلاد.
ومنذ ذلك الحين تعاقب على قيادتها 14 مدير عام كان أولهم، فيما اعتقد محمد الغزاوي. في ظل 20 وزير للداخلية في نفس الفترة. وقد يكون من اليُسْر العمل على عصرنة الجهاز على مستوى الوسائل والإمكانيات اللوجستية، إذا ما توفرت للدولة السيولة المالية الضرورية. لكن ليس هناك ما هو أصعب من الحلم بمشروع جديد يؤسس لثقافة جديدة في العمل الأمني مع تنزيله بتدرج وحكمة، ليتملكه أكثر من 80 ألف من رجال ونساء الأمن الوطني ويجسدونه ويتمثلونه في سلوكهم اليومي، على أنقاض نظرة محافظة سادت فانتتجت فجوة كانت تضيق وتتسع- حسب الظروف – بين مرفق الأمن ومرتفقيه.
توقفنا قليلا وعوض الشاي كان نصيبنا قهوة هذه المرة، فحكى لنا أصغرنا سنا، قد يكون في أواخر الأربعينيات من عمره، أنه عندما أراد استخراج البطاقة الوطنية لأول مرة وهو يغادر البيت في الصباح الباكر قاصدا مفوضية الشرطة التابع لها عنوان سكنىً عائلته، وعلى غير العادة وقف أبوه بالباب وقال له ” سير يا ولدي الله يخرج أمرك على خير هذا اليوم وصافي ..”.
وبالإدارة المعنية تزاحم مع المتزاحمين وكان عندما يخرج مواطن، بعد وضع ملفه يسمع الجميع يقول له وبصوت واحد ” الحمد لله على سلامتك” وعندما سأل رجل في عقده الستين عن سبب الدعاء قال له {اسمع اولدي الدخول مضمون…الخروج في يد الله}.
أكيد أن الأمر فيه جزء من المبالغة لكن البركة كانت كاينة.
ومادام الشيء بالشيء يذكر حكيت لهم ما حصل مع ابنتي في سنة 2022 عندما أصرت ان تتوجه وحدها إلى دائرة أمنية بالرباط للحصول على شهادة السكنى، وعند قيامها بالمتعين، عادت وهي تثني على الاستقبال والتنظيم وحتى المساعدة التي يقدمها الموظفون لمن نسي وثيقة أو صورة او ….
وبعدما حكيت لها كيف كان الأمر سابقا معقدا وفيه رهبة للمكان والمسطرة ليست موحدة. علقت ساخرة: ( بابا زيدتي فيه، انت طلبتي ليهم السكنى ما شي شهادة السكنى ).
وما دامت المناسبة شرط كما يقال، فإن احدى أروقة الأبواب المفتوحة، يتم العرض فيها للمنصة الرقمية للإبلاغ عن المحتويات الرقمية غير المشروعة على الانترنيت والتي ستكون مفتوحة للعموم، حيث تم اعدادها على خلفية وبمنهجية إشراك المواطنين في التصدي لعدد من الجرائم التي تسخر وتستغل الفضاء الرقمي، كالاستغلال الجنسي للأطفال، والتطرف والارهاب والنصب، والاتجار بالبشر والابتزاز والكراهية..
أعتقد أن هذه المنصة الرقمية أهميتها لا تكمن في تقنيتها والنظام المعلوماتي المستعمل في اعدادها، بل في اعتمادها في مداخلها، كليا على إشراك المواطن، كفاعل أمني. مما سيعمق لا محالة شعوره بمسؤولية مساهمته في حماية نفسه أولا ومحيطه ثانيا وقبلهما بلده. وبالتالي فهذه العملية في رأيي تعد بحق حلقة جد متقدمة في هندسة وبناء وترسيخ علاقة الثقة بين المؤسسة الامنية ومحيطها، ليبقى الطريق مفتوحا لاستكمال العمران مع ضرورة التوقف عند إشارات المرور للتقييم المرحلي.